محمد المنيف
من يزور كورنيش جدة من غير أهلها ويشاهد المنحوتات العالمية (المجسمات)، سيطرح السؤال.. من كان خلف هذا الجمال الذي أضيف على جمال البحر؟..
إنه المهندس محمد سعيد الفارسي -رحمه الله- عاشق الفن التشكيلي الذي يمتلك في وجدانه فنانًا ويعمل بعقل المهندس، فمزج الإبداعات في وجبة واحدة بطعم الهندسة ونكهة الفن التشكيلي.
كان المهندس الفارسي -رحمه الله- يشترط على الشركات المنفذة للمشاريع في جدة وضع مجسم لفنان عالمي على الكورنيش، فأصبح كورنيش جدة متحفًا مفتوحًا جمع العديد من الفنانين العالميين في مقدمتهم الفنان هنري مور دون تخل عن الفنان السعودي والعربي فطعم الكورنيش بفنانين سعوديين منهم عبد الحليم رضوي من السعودية وربيع الأخرس من سوريا وعارف الريس من لبنان وغيرهم كثير فأصبحت جدة لافتة للنظر عالميًا..
ولم يتوقف اهتمامه بالفن، فكان الداعم والمشجع للرواد في جدة والأجيال الشابة مع ما يتمتع به من ذائقة في اقتناء الأعمال الفنية لفنانين سعوديين ومن الدول العربية. ويحضرني هنا بيع أربع لوحات من مقتنياته في مزاد كريستيز في دبي بمبالغ عالية تؤكد نظرته إلى أن العمل الفني مجال للاستثمار وليس قطعة تضاف للأثاث.
لقد أبقى لمدينة جدة خصوصية وعنوان يشير إلى ذائقة أهلها فأصبحت بما أضفى عليها من لمسات تشكيلية في كل شوارعها وميادينها وما يتبع ذلك من أنشطة وفعاليات لجهات أخرى أن تكون كما وصفت (جدة غير).. تميزت بهذا وبما قدمه المهندس الفارسي من فرص للفنانين، حيث كان لفناني جدة وإلى الآن تميز وحظوظ قل أن توجد في بقية المدن.. إنها ثقافة الرقي التي تنبع من البيئة التي تمنح الفرص لينبت فيها الفن والجمال. -رحمك الله- مهندس محمد الفارسي، فقد كنت داعمًا بخدماتك الجميلة لمدينة جدة وفنانيها وبما فيها من مستوى عالمي بمزيج وطني لا مثيل له.
هذا الرجل وغيره ممن منح الإبداع عامة والإبداع التشكيلي على وجه الخصوص اهتمامهم ودعمهم لم يكونوا إلا مستشرفين لمستقبل الوطن الذي نعيشه اليوم وبما تحمله الرؤية الوطنية ومنها الدعم لكل ما هو جميل يساير النهضة بكل تفاصيلها.