د. محمد بن إبراهيم الملحم
نتداول هذه العبارة: نجح الطالب في الاختبار وربما تكون رسب الطالب في الاختبار، ولكن، هل يمكن أن يكون الاختبار نفسه راسبًا (أو ناجحًا)! والجواب نعم الاختبار ينجح أو يرسب (يفشل) وهذا ليس مجرد رأي تأملي بل هي حقيقة تستند إلى معايير علمية مقننة ولها مجال علمي متخصص يخرج أخصائي اختبارات قادرًا على تطبيق عمليات إحصائية ورياضية متنوعة ليستخرج من نتائجها بالأرقام والدليل العلمي أن الاختبار كان ناجحًا أو فاشلاً، ولكن بعيدًا عن لغة الأرقام والمؤشرات الرياضية التي لن نخوض فيها ونتعلمها في مقالة موجزة لعلنا نتساءل ببساطة ماذا يعني تعبير «فشل» الاختبار أو نجاحه، أو بلغة أخرى متى نقول عن اختبار ما أنه ناجح ومتى نقول عنه إنه راسب أو فاشل؟! الجواب بكل تلقائية يكمن في «تعريف» الاختبار، فما هو الاختبار؟ وقد أسلفت في المقالة السابقة أنه استخبار أو طلب «الخبر» عما يملكه الطالب من المعلومات والمهارات، وربما نقبل أيضًا بتعريف أنه امتحان أو ابتلاء للطالب لنعرف أقصى ما يملكه من القدرة الإدراكية والتذكرية وغير ذلك خاصة عندما يكون ذلك هدفًا للاختبار. ومن هنا فإن الاختبار يستهدف أن يفاضل بين الطلاب فيصنفهم إلى الفئات الطبيعية المتوقعة حيث تتباين قدراتهم فتتباين نتائجهم في الاختبار، وهذا المنطق بني على حقيقة ثابتة وهي تباين واختلاف الناس فيما بينهم وتنوع قدراتهم في أية مجموعة تنشأ بشكل طبيعي، ومن هذا المنطلق (منطلق التباين بين الطلاب) يكون شرحنا لمعنى أن الاختبار ناجح أو فاشل: فإن هو تمكن من الممايزة بين الطلاب وفرزهم إلى فئات مختلفة بشكل منطقي ففيها المتفوقون وفيها الوسط وفيها ضعيفو الأداء (لقلة بذل الجهد أو لقلة القدرة الذهنية) فقد نجح هذا الاختبار في مهمته وإن هو لم يمايز بينهم وظهرت نتائجهم متشابهة جدا (وفي ذلك مخالفة لحقيقة التباين الطبيعي بينهم أصلا) فهذا يعني فشل الاختبار في تحقيق أهدافه أي بتعبيرنا السائد هو اختبار «راسب».
وبهذا الفهم فإننا عندما نُسقِط عنوان هذه المقالة «هل يرسب الاختبار نفسه؟» على واقعنا سنجد أن كثيرًا من اختبارات المعلمين اليوم هي اختبارات راسبة وإن نجح الطلاب (أو جميع الطلاب!) فهي لا تمايز بينهم ولا تكاد تجد فروقات حقيقية بين الطلاب فهي تتواجد غالبًا بمقادير ضئيلة وحتى أولئك المتفوقون فهم جميعًا يتنافسون في المدى بين 95 % و100 %! وأما ضِعاف الأداء والمهملون فتراهم أحيانًا في منطقة ليست نائية جدًا عن المتفوقين بل يكادون يكونون أحيانًا قريبًا من المتوسطين أو أقل منهم بقليل! ما هذا الكلام ولماذا «الحسد»؟ هذا هو التعليق الشعبي البسيط على مثل هذا التحليل العلمي الذي يطالب بتمايز الطلاب وعدم تفوقهم جميعا كما يحصل حاليا وهو تعليق طبيعي ضمن غياب تعريف الاختبار (الذي عرضنا هنا) عن الغالبية العظمى من الناس، بل حتى بعض الممارسين للمهن التربوية من معلمين وغيرهم لو سألتهم ما الهدف من الاختبار كأدة من أدوات العملية التعليمية فلربما لا يقدم لك هذا التصور! سطحية النظرة للاختبارات وعدم تصور قيمتها التربوية ودورها الاستراتيجي في جودة الخدمة التعليمية هو ما أدى بها إلى الوصول إلى المستوى الحالي فلم تعد ذات قيمة في وزن الخدمات التعليمية، ولذلك ظهر تباين كبير بين نتائج الطلاب في اختبارات المدرسة والاختبارات المعيارية المقننة الجادة التي تجريها جهات مختصة وتطبق المفهوم العلمي للاختبار (مثل مركز قياس) كما أنها تحسن تطبيق أداء الاختبار دون تحيز وبمهنية عالية في حسن الأداء وضمان المصداقية.
هل كان هذا وضع الاختبارات منذ نشأة التعليم لدينا أم كان الأمر أفضل؟ فإن كان أفضل فما سبب هذا التحول؟ وكيف حصل؟ ومن المسؤول عنه؟ أسئلة تجيب عنها قصة متكاملة في هذا السياق أرويها في المقالة القادمة بإذن الله.