د.عصام حمزة بخش
القرآن الكريم هو كلام الله ومن أعظم الكتب وآخرها نزولاً وهو ناسخ لكل الكتب السماوية وخاتِمًا لرسالاته والمهيمن عليها، أنزله الله تعالى على رسوله الكريم ليكون هداية ونورًا وسعادةً للبشرية كافة.
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (28) سورة سبأ.
وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (48) سورة المائدة.
وقد نزل به جبريل عليه السلام في شهر رمضان المبارك وفي أعظم ليلة؛ ليلة القدر, هذا الكتاب الحق الذي أنزله رب العزة والجلال على سيِّد المرسلين ليكون للعالمين نذيرًا ومعجزة ودليلاً على صدق نبوته ومنهاجًا للأمة وللحياة في جميع مجالاتها وعِصْمته لمن اعتصم به وشفاء لما في الصدور ونورًا وضياءً لمن عمل به واستضاءت له دنياه وآخرته بالفوز بالجنان والنعيم المقيم.
قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.
وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (123) سورة طه.
علينا أن ندرك ونستشعر بأننا نحن المخاطبون بهذا التكليف، وعلينا التمسك بشرعه وأحكامه، وأن القرآن صالح لكل زمان ومكان وأنه ألقي علينا هذا الواجب بتبليغ رسالة الله، والأمانة بعمارة الأرض على الوجه الأمثل الذي يحقق ما أوجب عليه ربنا من عمارتها بدينه الذي ارتضاه رب العزة والجلال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (61) سورة هود.
الخطاب هنا لنا، حيث بدأ خلق الروح والإنسان وكرَّمنا عزَّ وجلَّ غاية التكريم ورفع منزلتنا بين ساير مخلوقاته . قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (30) سورة البقرة.
علينا نحن أمة القرآن أن نستشعر الخطر المحدق بالنيل منا وبإبعادنا عن القرآن وتعاليمه، حيث عقل أعداؤنا أثره على المجتمع المسلم وبدأوا يتسلّطون على الأمة بغرس حب الدنيا والشهوات.
ولأنهم أدركوا أن موطن عزِّ هذه الأمة الإسلامية باعتصامها بالقرآن وبسنة رسوله الكريم، حيث عمل الأعداء على صرف المسلمين عن القرآن، لا يتلقوه كما ينبغي ويجب، بل ينصرفون عنه وينشغلون بغيره، فمجهوداتهم متواصلة للدخول بمختلف وسائل اللهو والعبث حتى تصدأ وتكل القلوب عن ذكر الله ونسوا أن الله سبحانه تكفَّل بحفظه، حيث قال عزَّ وجلَّ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر.
سيبقى قرآن ربي إلى أن يرث الأرض ومن عليها في الصدور ويُتلى آناء الليل وأطراف النهار مهما بلغوا وخططوا لصرف هذه الأمة، بل سيبقى مصدر قلق لأعداء الله وأعداء رسوله.
قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} (50) سورة الفرقان.
وَقَالَ تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت.
إن هذا يدل على خوفهم وذعرهم واضطراب نفوسهم وهم يرون بين كل ليلة وأخرى بدخول أفواج في دين الله، حتى منهم وفي أواسط عواصم شركهم وكفرهم بالله عزَّ وجلَّ والتي بدأت منها سابقاً والآن وعلى مر العصور بدخول الدين الإسلامي شخصيات من رجال دينهم وسياسيون وعلماء وأطباء ومفكرون، حيث وجدوا ضالتهم في هذا الدين القويم وبدأت آياته تتضح لهم وأنه هو دين الحياة.
علينا نحن أمة محمد صلوات ربي وسلامه عليه أن نستمسك بكتابنا العزيز منهاجًا وقيمًا وعملاً ونحيا بالقرآن في شهر القرآن، حيث تجتمع فيه عبادتان الصيام وتلاوة القرآن وكلاهما يشفعان للعبد يوم القيامة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام، أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفّعني فيه، ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفّعان».
فما أحرانا أن نجتهد لنحظى بالمكارم الربانية بتلاوة كتاب الله المجيد في خير شهور العام الذي تتضاعف فيه الحسنات، ولا ننسى بقية الشهور والأيام لنحيا بالقرآن وبتلاوته لنفوز بالأجر العظيم وبالمكانة العليا عند الله. ربي نسألك أن تجعله لقلوبنا جلاء وعن النار مخلّصاً وأبرم فيه لأمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أمر رشد لنعد كما كنا قوة نحارب من أرادنا وديننا ومجتمعنا بسوء.