في السنوات الأخيرة ازداد اهتمامُ الدول العربية بالعمل التطوعي، وأصدرت بعض النظم والإجراءات التي من شأنها زيادة أعداد المتطوعين وإشراكهم في البرامج التنموية، وقد ورد التطوع في موقع بارز في رؤية المملكة العربية السعودية 2030م وقد صدر قرار مجلس الوزراء الموقر بإنشاء المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي على أساس أن العملَ التطوعي والمؤسسات غير الربحية تسهم في بناء المجتمع وتطوره، وباعتباره قطاعاً ثالثاً مكملاً للقطاعيْن الحكومي والخاص، وهو توظيف لطاقات الشباب في المجالات الاجتماعية والإنسانية وغيرها من المجالات، بما يعود على الشباب بالمزيد من الانخراط في فعاليات المجتمع ويزيد من انتمائهم الوطني والمجتمعي، ويسهم في بناء قدراتهم وكفاءاتهم، ويصرف طاقاتهم بما يعود بالفائدة عليهم وعلى المجتمع بشكل عام.
وقد أدى ذلك إلى ازدياد حجم اهتمام فئات المجتمع المختلفة بالتطوع، وازدياد الوعي بفوائد الأعمال التطوعية على الفرد والمجتمع، وحيوية العلاقة بينهما، ورغبة الفرد في المشاركة بمسيرة التنمية، ومواجهة التحديات التي تعترض طريقها والتغلب عليها، آخذاً في الاعتبار أن التنمية تعتمد بشكل خاص على التنمية البشرية التي تسهم في كل أوجه التنمية خاصة التنمية الإنسانية.
وعليه فقد أصبح لزاماً الاهتمام بالتطوع ونشر ثقافته، وسَن الأنظمة ووضع الآليات والإجراءات التي تدعمه، وتمكن من الاستفادة المثلى من المتطوعين، وتحديد واجباتهم وحقوقهم وإكسابهم المهارات والخبرات المطلوبة لنجاح العمل التطوعي بشكل عام، على أساس أن العمل التطوعي جزء لا يتجزأ من العملية التنموية للمجتمع، وتعبير عن ديناميكية العلاقة بين المجتمع وأفراده للتغلب على ما يعترضها من عقبات وتحديات، ومشاركة الجهات الحكومية المسؤولة في، تحمل هم الوطن بخططه ومشاريعه وبرامجه وتحدياته، والمساهمة الفاعلة في إنجاحها، واعتبارها هم ومسؤولية المجتمع بأكمله، لا هم ومسؤولية القطاعات الحكومية بمفردها.
في ضوء الاهتمام العالمي بالعمل التطوعي واعتباره مجالاً حيوياً للأنشطة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وإحدى أدوات تفاعل أفراد المجتمع مع الدولة والمجتمع بشكل عام، وزرع الحس الوطني والإنساني في جو من التنسيق المتبادل الذي يضمن الاستقرار والازدهار والتكامل، والاستفادة من كل طاقات أفراد المجتمع بما ينعكس على نمو المجتمع وتقدمه، وقدرته على الاستجابة إلى ما قد يتعرض له من أزمات وكوارث.
وقد برزت في الآونة الأخيرة الحاجة المُلحة إلى تنظيم متكامل لأطر هذا العمل من الناحية القانونية والتنظيمية بناءً على موروثنا الديني والثقافي، بالإضافة إلى الاستفادة من تجارب بعض الدول في هذا المجال.
وبناءً على ما تقدّم ومتطلبات التشجيع والتحفيز والدعم الذي تتطلبه الأعمال التطوعية، يجب أن نعرف أسباب تفوق العمل التطوعي في الغرب عنه في البلاد العربية والإسلامية؟
حيث إنها أسباب كثيرة منها التعليم الذي يتحمّل جزءاً كبيراً من غياب ثقافة التطوع عن مجتمعاتنا، إلى جانب أنانية بعض أفراد المجتمع الذين اهتموا بقضاياهم الخاصة وعزفوا عن قضايا المجتمع، ويأتي التنافس السلبى بين مؤسسات العمل التطوعي إلى جانب عدم وجود أنظمة وقوانين واضحة ومحددة للعمل التطوعى، وبعض المشاكل المرتبطة الأخرى بالعمل التطوعي، مما حدا بالكثير للابتعاد عنه.
كل ذلك نتج عنه نظام تقليدي متواضع الأهداف ومتدني الإنجازات وقليل المشاركة، وهو العمل التطوعي في بلادنا العربية والإسلامية، والذي يحتاج إلى إعادة صياغة لخطاب ثقافة التطوع بطريقة تكفل التأثير على أفراد المجتمع وتدفعهم جميعاً للانخراط فيه.
ويرتبط مفهوم التطوع بعملية التنشئة الاجتماعية التي يخضع لها الفرد، وبقدر ما تعزِّز عملية التنشئة قيم التطوع والمشاركة، بقدر ما يقبل الأفراد والجماعات على العمل التطوعي إيماناً بأهميته ودوره في سد احتياجاتهم وبناء مجتمعاتهم.
تلك العملية التي يتم من خلالها نقل ثقافة المجتمع من جيل إلى جيل بما تعنيه الثقافة من عادات وتقاليد وقيم وسلوكيات، وتشترك في عملية التنشئة كل من الأسرة والمدرسة والمؤسسة الإعلامية والدينية.
وتهدف عملية التنشئة بشقيها إلى الحفاظ على ثقافة المجتمع بنقلها عبر الأجيال، بالإضافة إلى دورها في تمكين النشء من التفاعل الإيجابي مع محيطه الثقافي والاجتماعي والسياسي، وقدرته على التكيّف معه والاندماج فيه.
وحتى تكون الثقافة التطوعية أسلوب حياة، لا بد من العمل على نشرها وتأصيلها لدى جميع أفراد المجتمع المختلفة، نستلهم كمجتمع مسلم ما لدينا من قيم ومبادئ تدعونا لسبل الخير والإحسان للغير وتؤكد على البذل و العطاء.
فالحث على ممارسة العمل التطوعي عن طريق توعية الناس بالمردود الإيجابي لأداء العمل التطوعي على الأفراد، وأثره في حماية وصيانة المجتمع، يسهم إسهاماً كبيراً في زيادة الوعي لديهم، فالتطوع يُعد وسيلة فعَّالة للقضاء على كثير من المشكلات والتي قد تواجه قطاعاً كبيراً من المجتمع خاصة الشباب كالفراغ الذي يؤدي إلى المشاكل السلوكية.
ثقافة التطوع هي «منظومة القيم والأخلاقيات والسلوك والمعايير والممارسات التي تحض على عمل الخير وتدفع إليه حتى يصل نفعه وفائدته للغير إما يجلب مصلحة أو بدرء مفسدة تطوعاً ومن غير إلزام أو إكراه». في ظل واضح ومحدد الأهداف.
وعرفت أيضاً بأنها «الثقافة المستمدة من قيم المجتمع، والتي تبرز في سلوك الأفراد على شكل معارف ومهارات وقيم داعمة لفعل الخير وخدمة الآخرين من خلال المبادرات التطوعية».
وثقافة التطوع هي أحدي مكونات ثقافة المجتمع، حيث النزوع إلى العمل التطوعي من أجل خدمة المجتمع وتحقق أهداف معينة تشكِّل الدافع الأساسي للانخراط في منظمات المجتمع، فالمتطوعون ليسوا مجلس الإدارة فقط، وإنما المتطوعون أيضاً أعضاء بالمنظمة (وأحياناً ليسوا أعضاء دائمين)، يتوافر لديهم الوقت المحدد من جانبهم والخبرة التي يقدمونها لدعم المنظمة، وتحقيق الصالح العام دون انتظار مادي.