د. جاسر الحربش
إذا كان الاعتذار وحده يكفي دون دفع الكفارة المترتبة على الذنوب فاستبشروا بسبحة اعتذارات طويلة لا نهاية لها. الكفارة لغة تعني محو الذنب بما يعادله من الجزاء. اقتراف الذنوب في حق الخالق العادل الكريم تعادله التوبة النصوح بنية عدم العودة، أما اقتراف الذنوب في حق البشر فتعادله الكفارة التأديبية المنصوص عليها في التشريع الحافظ لحقوق الناس. ضمن الضجيج الإعلامي بعد اعتذار أحد كبراء ما سمي بالصحوة قبل إلغاء صلاحية التسمية، كان من الطبيعي كثرة التعليقات في الإعلام المكتوب والمسموع والإلكتروني. الكثير منها أشاد بشجاعة الرمز المعتذر باعتبار أن الاعتذار فيه الخير والبركة والكفاية، والأقل من التعليقات طالب بما هو أكثر من الاعتذار، معدداً بعض الأضرار الفادحة التي لحقت بأتباع دعاة الصحوة والمجتمع والدولة والوطن.
الأسئلة الكبيرة التي يجب طرحها بعد الاعتذار كثيرة، ولكل صحوي كبير سجله العملي واللفظي الذي من المفترض أن يكشف عنه ويبت فيه، والأسئلة حسب تقديري من النوع التالي:
أولاً: هل كانت ممارسات الصحوي الكبير أيام نشاطه العلني والخفي نابعة من قناعات دينية احتسابية فقط، بمعنى أن أفعاله كانت تعبدية خالصة لوجه الله ولا غير ذلك قبل أن يزداد علمه (وليس حساباته) ويقرر الاعتذار؟
ثانياً: هل كان الصحوي الكبير يخلط قناعاته الدينية بأهداف تربحية انتهازية مادية أو معنوية أو كليهما في نفس الوقت عن عمد وتقصد؟
ثالثاً: هل كان الصحوي الكبير يتعامل مع معارضي أفكاره وأفعاله بضمير مرتاح يتوخى العدالة المطلوبة من الناصح شرعاً، أم أنه كان يمارس الازدواجيات مثنى وثلاث ورباع، وحسب كل موقف وشخص يكون المكيال الظرفي؟
رابعاً: هل كانت نية التربح المادي والوجاهي هي الغالبة على ممارسات أكثر من صحوي كبير، أم كانت نية الصلاح والإصلاح هي السائدة ولكن لا بأس من بعض المكاسب الدنيوية حسب الفرص السانحة؟
خامساً: هل من المحتمل استغلال بعض الصحويين الكبار عصرهم الذهبي بالاستيلاء على ما ليس لهم من أموال وأفكار أو غير ذلك لا سمح الله؟
الأسئلة كثيرة وبعضها موجع وينطبق عليها القول المأثور للراحل الإصلاحي الكبير غازي القصيبي: المصارحة قبل المصالحة. لا يكفي الاعتذار عن المعاصي ثم الاستمتاع بالمكتسبات، والمطلوب الاعتذار أولاً وبعده دفع الكفارة.