د. محمد بن صالح الحربي
اتجهت أنظار المجتمع الدولي نحو الأزمة السياسية والاقتصادية في إيران باهتمام واضح وشديد بعد القرار الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإنهاء الإعفاءات التي سمح بموجبها لثماني دول بشراء النفط الإيراني؛ وذلك بهدف تحقيق «صادرات صفر» من الخام في هذا البلد.. الذي يأتي استكمالاً لقرار انسحاب الولايات المتحدة العام الماضي من الاتفاق النووي المبرم في 2015 بين إيران و6 قوى عالمية.
هذه هي استراتيجية (الضغط القصوى) الأقوى فاعلية وتأثيرًا تجاه إيران منذ أربعة عقود، التي مارست خلالها أساليب راسخة في نهجها وتعاملها السياسي على الصعيدين الدولي والإقليمي، وهو اللعب على الوقت والتناقضات والتسويف والتمويه لإدارة الأزمات، وإيجاد الحلول الوقتية لإعادة تمركزهم ومواقفهم إلى البداية، ومن ثم التقاط الأنفاس، والشروع في سياسة المحاور وتصدير الأزمات، واستغلال الأحداث السياسية، واللعب على كسب الوقت في أي مفاوضات يقومون بها لإشغال الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، والحصول على مكاسب يزعمون أنهم ينجحون بها، وهدفها استمرارية زخم ثورتهم المزعومة، وضمان بقائهم في السلطة.
اعتقد النظام الإيراني أنه سيحقق تقدمًا في سياسته المستنسخة التي مارسها منذ بداية ثورته المزعومة في التعامل السياسي، خاصة مع الولايات المتحدة عبر سبعة رؤساء أمريكيين سابقين, لم يحقق أيٌّ منهم نتائج عملية ومؤثرة وواضحة لإيقاف زعزعة النظام لاستقرار المنطقة والعالم، إلى أن واجهوا الآن الحزم والردع من قِبل الإدارة الأمريكية الحالية ورئيسها دونالد ترامب الذي اتبع أسلوبًا ونهجًا جديدًا في التعامل مع هذا النظام الديكتاتوري الفاشل.
إنه أسلوب الصدمة والترويع السياسي المسبق؟ (استراتيجية الضغط القصوى)؛ وهذا ما جعل النظام الإيراني يستخدم بعض أدواته وأساليبه السياسية آنفة الذكر، منها بقاء الوضع الحالي في حالة الزخم والأخذ والرد، واللعب على الوقت مدًّا وجزرًا لتحقيق أقل الخسائر الممكنة حتى الانتخابات الأمريكية القادمة 2020، كما فعلوا ذلك مسبقًا في (أزمة الرهائن الأمريكيين) نوفمبر 1979 بعد هجوم الطلبة الثوريين على السفارة الأمريكية في طهران، واحتجازهم 52 دبلوماسيًّا ومدنيًّا لمدة 444 يومًا، بدعم وتأييد المرشد الأعلى الخميني، إلا أنه تم توقيع (اتفاقية الجزائر في يناير 1981)، وبدقائق قليلة من أداء الرئيس رونالد ريغان اليمين لرئاسة الولايات المتحدة، وهزيمة كارتر في الانتخابات الرئاسية آنذاك؟
إنه الإخفاق والفشل الاستراتيجي الذريع لدولة راعية ومصدرة للإرهاب وإشاعة الفوضى والدمار محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا بعدما اتبعت إجراءات وأساليب ممنهجة، اتبعتها منذ 1979 بداية من شن هجمات إرهابية، ومسلسل خطف الطائرات واستخدام الحروب الطائفية (العراق 2006، احتلال مليشيا حزب الله بيروت 2008، الحرب الأهلية السورية 2011 والحرب الأهلية في اليمن عام 2015)، الحروب بالوكالة للتنصل عن المسؤولية أمام المجتمع الدولي.. وجميعها أمثلة لا تزال عالقة في ذاكرة المنطقة والعالم.
لذا فجميع المؤشرات تُظهر أنهم سيخضعون للإملاءات الأمريكية الجادة، كرهًا وطوعًا، وستتهاوى أذرعهم العسكرية والسياسية في الخارج، وسيعيدون بناء علاقاتهم الدولية والعودة إلى نقطة الصفر بعدما وصل الاقتصاد الإيراني إلى مرحلة الركود والانكماش (6 % هذا العام)، والتضخم إلى (50 %) متراجعة خلف الاقتصادَيْن الفنزويلي والزيمبابوي... وهي الدولة التي بالرغم من امتلاكها ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، ورابع احتياطي عالمي من النفط الخام، إلا أن اقتصادها اقتصاد هش (هو من بين الأضعف عالميًّا) مقارنة بعدد السكان!!!