للموروث الديني والثقافي دور محفز في الانخراط في العمل التطوعي؛ إذ يختزن الموروث الديني والثقافي الكثير من القيم الاجتماعية والثقافية الإيجابية، كالتكافل والتعاون والتراحم.. وكل هذه القيم والتعاليم الدينية تحفز الرجل والمرأة - على حد سواء - على التفاني والتضحية بالوقت والمال من أجل خدمة الأفراد، وتقدُّم المجتمع.
إنَّ بعض الدول طرحت مسألة المرأة كطرف رئيسي في صياغة مسألة المرأة من ناحية، وصياغة أجندة أعمال المنظمات النسائية التطوعية من ناحية أخرى. وقد كان ذلك من خلال إقرار بعض الحقوق لها، أو حجب حقوق أخرى، أو تجميدها. كذلك فقد كانت هذه الدول تفاوض هذه المنظمات في بعض الفترات إزاء بعض القضايا، بينما كانت في لحظات أخرى متخالفة مع الاتجاهات المحافظة.
وفي ضوء العوامل الثلاث السابقة جاء الإسلام ليزيح الغبن عن المرأة، ويكرس آدميتها وأهليتها.. وبوأت الشريعة الإسلامية مكانة سامية للمرأة، وحمَّلتها مسؤولية إنسانية وحضارية، لا تقل مسؤولية عن الرجل. ومنح الإسلام المرأة حقوقها التي تستحقها. ومع بداية العصر الحديث اقتضت متطلبات الطفرة العملية خروج المرأة إلى العمل، ومشاركتها في العمل التطوعي من خلال المنظمات التطوعية النسائية، وقيام الحكومات في الوقت نفسه بوضع العديد من السياسات المحلية والإقليمية، بما يتناسب مع وضعها الاجتماعي بشأن النهوض بأوضاع المرأة حتى تكون مساهمة المرأة في التنمية فعالة ومؤثرة؛ وبذلك تعد الحكومات طرفًا أساسيًّا في صياغة قضايا المرأة، وتحديد جدول أعمالها.
توجد أسباب عدة تدعو إلى إشراك المرأة إشراكًا كاملاً في صنع القرار الاقتصادي في المؤسسات التطوعية؛ لأن للمرأة مهارات تناسب العمل التطوعي، وتناسب بشكل خاص مبادئ الإدارة العصرية؛ إذ اكتسبت المرأة العديد من تلك المهارات من واقع خبرتها في إدارة مواردها الشحيحة، ووقتها الضيق، وفي قيامها بمسؤوليتها المتعددة، وتوفير الرعاية، والقيام بالعمل دون أجر داخل الأسرة.
وهذه القدرة على القيام بمهام عدة في الوقت نفسه ثمينة جدًّا، يمكن استثمارها من خلال إشراك مساهمة المرأة في مؤسسات العمل التطوعي. كما يدفع ذلك إلى زيادة نسبة تمثيل المرأة في الهيئات المانحة والمتلقية لأعمال البر والخير؛ إذ سيتيح ذلك للمرأة القيام بدور حيوي، خاصة في إيصال العديد من الخدمات التي تلبي احتياجات المرأة. كما تقوم المنظمات النسائية بدور أساسي في تفعيل مشاركة المرأة مع هذه الجهات، خاصة من ناحية تأهيل وتدريب المرأة على المهارات المهنية والفنية التي تتطلبها أنظمة العمل في هذه المؤسسات.
رأس المال الاجتماعي هو أحد المعايير التي ينبغي أن تقاس بها قوة المجتمع، وهو ليس دلالة على مدى قوة أو ضعف المجتمع، بل دلالة على التقدم أو التخلف السياسي والاجتماعي؛ فهو جزءٌ لا يتجزأ من رأس المال البشري أو الإنساني على اعتبار أن ما يملكه الفرد من نصيب شخصي أو اجتماعي يشكل في النهاية رصيدًا إنسانيًّا، يسهم في تحقيق أهداف التنمية في المجتمع.
يُعد رأس المال الاجتماعي أهم أنواع رأس المال في العصر الحديث، وهو يختلف عن الصور الأخرى لرأس المال؛ لأنه لا يوجد في الأشخاص، ولا في الواقع المادي، وإنما في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد؛ فهو مجموعة من العلاقات والروابط الاجتماعية التي يكوِّنها وينضم إليها مجموعة من الأفراد في إطار بناء اجتماعي، ولخدمة أهداف مشتركة.
إنَّ رأس المال الاجتماعي هو المشاركة التطوعية مع الآخرين في المجتمع، ويهدف إلى بناء شبكات اجتماعية إيجابية، تحث على التعاون مع الآخرين معتمدة على القيم والمهارات الشخصية التي تقوي بناء المجتمع، وتستفيد من طاقاته كافة.