محمد آل الشيخ
كثير من السعوديين لا يعلمون أن محطة الإم بي سي التلفزيونية هي التي تأتي من حيث المشاهدة في المرتبة الأولى بلا منازع، بين آلاف المحطات الفضائية الناطقة بالعربية. الإم بي سي - كما تقول الإحصاءات - تستقطب من المشاهدين العرب في كل أصقاع الأرض ما نسبته قرابة الثلاثين بالمائة، وبقية الفضائيات العربية تتنافس على السبعين في المائة الباقية. ويعرف جميع الإعلاميين، والمتخصصون في الحقل الإعلامي ككل، والتلفزيوني على وجه الخصوص أن رئيس مجلس إدارتها الأستاذ وليد البراهيم هو المنظر و(البروموتور) الحقيقي الذي يقف وراء هذا النجاح المبهر؛ هذا الرجل في هذا المجال تشعر أنه فعلاً قُدَّ من نجاح، ويعرف كيف يصل إلى المشاهد، وأفكاره غالبًا ما يخالفه فيها مستشاروه، وأركان إدارة المنشأة، ويصر عليها، ثم يكتشف الجميع أنه كان على حق.
ولن أضيف جديدًا إن قلت أن الإعلام اليوم في عصرنا عصر الاتصالات والأقمار الفضائية التي تمتلئ بها السماء، أصبح فعلاً (القوة الناعمة) التي تشكل إضافة إلى القوة الصلبة - (الجيش والقوات المسلحة) - وجهان لا يمكن لأي بلد يريد أن يصبح له مكان تحت الشمس، إلا أن يهتم بها غاية الاهتمام، ويسعى إلى تقويتها وتذليل العقبات التي تعترض مسيرتها لتحقيق أهدافها.
وأنا على يقين أن محطة الإم بي سي ساهمت مساهمات عميقة في (تفتح) الشعوب العربية، وإشاعة الوعي السياسي والاجتماعي، وجعلتها أكثر مواكبة واستعدادًا لعصرنا، وكان العاملون فيها يعملون ويحددون أهدافهم إنطلاقًا من هذه الفلسفة المتحضرة، رغم أن المملكة خلال فترة (الصحوة) القميئة واجهت من قبل الصحويين حملات شرسة شعواء، سخروا لها منابر جُمع المساجد، وتولوها بسياط نقدهم، الذي كان ينطلق من الدعوة إلى (التقوقع) والانغلاق، وتمجيد العودة إلى الوراء، وتشكيك الشعب السعودي، بل والشعوب العربية بأهدافها وغاياتها النهائية؛ ومثل هذه الحملات والخطب ما زالت محفوظة وموجودة في اليوتيوب، بل وصل بهم الفجور في الخصومة إلى درجة (التكفير) والإخراج من الملة، والتشكيك في النوايا، وأن القائمين عليها هم من (أعداء الأمة). وربما لا يعرف كثيرون أن دعاوى قضائية رفعتها القناة ضد كثير من المتزمتين المندفعين، الذين كانوا يمتلؤون حقدًا على القناة، لأنهم يعرفون أنها إحدى وسائل فضحهم والوقوف حجر عثرة في طريقهم, وتعريتهم. ولأن القضية عند الصحويين ليست قضية دينية كما اكتشف الجميع مؤخرًا، فقد حاولوا -مثلاً- في إحدى المرات أن يُقحموا أحد أساطينهم في تلك القناة، وما إن أصبح له برنامجًا أسبوعيًا، حتى تحولت هذه القناة بين ليلة وضحاها إلى وسيلة من وسائل عباد الله الصالحين، غير أن هذا الأسطون الصحوي لم يستمر، عاد وشن عليها ومعه كبار زمرته حملة لم يتورعوا فيها أن يقولوا من الشتائم والسباب والتجريح ما لا يقوله عاقل فضلاً عن أن يكون رجل وعظ، بل إن أحد أساطينهم طلب من الأستاذ وليد أن يشارك في حملة تبرعات كان يشرف عليها، كما هي عادتهم في الإثراء غير المشروع، فلما رفض العرض، عاد الشيخ إلى منبره، وقال في الإم بي سي ومنكراتها ما لم يقله الأمام مالك في الخمر.
الصحوة لمن عرف نجومها واطلع على أساليبها واستشرف نواياها واستغلالها للدين وفسادها المالي الذي تقشعر له الأبدان، يدرك جازمًا أنها فساد كلها، وشر كلها، ونفاق يضمحل أمامه منافقو المدينة، ومن قال غير ذلك فهو لا يعرفها حق المعرفة.
بقي أن أقول إن الإم بي سي من أعظم وأنجح المشاريع الإعلامية العربية التي شكلت ذهنية الإنسان العربي والسعودي خصوصًا في تاريخه المعاصر.
إلى اللقاء