الثقافية - محمد المرزوقي:
صدر لعبدالرحمن بن عبدالعزيز آل الشيخ، وزير الزراعة والمياه، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة سابقًا، كتاب جديد بعنوان: «عشرون عامًا.. بين الزراعة والمياه»، عن العبيكان، في طبعة أولى، 2019، متضمنا ثماني عشرة ومائة صفحة من القطع الكبير، التي حوت خمسة فصول جاءت على النجو التالي:
الفصل الأول استهله المؤلف بعنوان: الاستقلالية تبدأ بامتلاك ناصية المعرفة؛ أما ثاني الفصول فقد جاء بعنوان: من الجامعة إلى وزارة الزراعة والمياه؛ ليتبعه الكاتب بثالث الفصول الذي جاء عن: صناعة الإنتاج الزراعي والحيواني والسمكي؛ ومنه إلى رابع فصول الكتاب الذي أورده المؤلف بعنوان: المياه والقمح - الترشيد والاكتفاء ولتصدير؛ فيما جاء خامس فصول الإصدار بعنوان: محطات تحلية المياه والأمن المائي؛ وصولاً إلى آخر فصول الكتاب الذي جاء بعنوان: إستراتيجية الأمن الغذائي والمائي؛ حيث يبين هذا الكتاب مسيرة عشرين عاما بين الزراعة والمياه، التي رصدها مؤلفها في هذا الكتاب، ليؤرخ وليؤسس لمراحل الإنتاج والأمن الغذائي والمائي في المملكة، من حيث الإنتاج الزراعي والحبوب والقمح والتمور، إضافة إلى الإنتاج الحيواني على اختلافه بجميع مشتقاته: الحليب والألبان والأجبان والزبدة واللحوم والدواجن والبيض، إلى جانب الإنتاج السمكي ومزارع الروبيان.
أما عن قصة هذا الكتاب، فيرويها آل الشيخ قائلاً: قصة هذا الكتاب تمثل محاولة للتأكيد على أن الأعمال الناجحة لا تحتاج إلى الدعاية والإعلام، ولنا في الزراعة والمياه مثال، فإن الإنتاج ملموس، ففي أي محل للتموينات أو مركز للتسوق، يمكن أن تلمس أثر هذه السياسات وضرورة استمراريتها؛ أما فيما يتعلق بتحلية المياه وكيف تصان لضمان الأمن المائي للمواطن الذي قد لا يكون من ضمن اهتماماته معرفة التفصيلات الفنية والتعقيدات الإدارية لكيفية وصول المياه إلى منزله، فقد كانت تجربة تحلية المياه من التجارب العالمية ذات الأهمية، فلك أن تتصور هذا الشريان الكبير من شبكات المياه الواصل إلى مختلف المناطق والمدن والقرى! فتؤمن المملكة مياه الشرب لمواطنيها وزائريها والمقيمين بها، وأن يكون ذلك مستقرًا ودائمًا، ومنضبطًا وقائمًا على أسس فنية ومهنية، فكانت محطات المياه واحدًا من أبرز الحلول العملية، غير أن إدامة خطوط التوزيع في مختلف مناطق المملكة، وصيانتها الدورية، أمر في غاية الأهمية، فهما يدخلان في صميم الأمن الوطني للمواطنين والسكان.
وفي سياق حديث المؤلف عن هذا الجانب، في سياق عرضه عن الصيانة وأهميتها، قال: الصيانة الدورية كانت ذات كلف عالية وباهظة الثمن، فكانت خطة الوزارة بتوطين جميع أعمال الصيانة ومستلزماتها، لخفض الكلف من المليارات إلى الملايين التي فرضت علينا عبئا آخر، حيث استطاعت الوزارة الاعتماد على الموارد البشرية السعودية بعد تأهيلها وتدريبها، للقيام بهذه المهمة الحيوية، وتم على إثرها الاستغناء عن الشركات الدولية، واعتبر القرار في حينه مغامرة، غير أن الوزارة نجحت في توطين هذا القطاع، وأن يقوده مهندسون سعوديون، ونسبة ضئيلة من غير السعوديين، وأصبحت هذه التجربة التي تجذرت وضربت بحذورها في الأرض، تمتلك مقاومة ذاتية لأي تحديات تواجهها، وأصبح من الصعب تجاهلها وتجاوزها وكان هذا بالنسبة لنا مفرحًا.
ومضى آل لشيخ في ثنايا تقديمه لفصول كتابه، عبر عشرين عامًا، قائلاً: إن ما عملت عليه وزارة الزراعة والمياه طيلة عشرين عامًا، أنتج مواطنًا قادرًا ومؤهلاً للتعامل مع مختلف المعطيات، إضافة إلى وجود شركات قوية قادرة على مواجهة الصعوبات، فضلا عن أن توطين الزراعة والمنتجات الحيوانية والثروة السمكية كان له إيجابياته غير المباشرة، فقد أسهم في تكوين المجتمعات الزراعية، والحد من التنقل، وإنشاء العشوائيات حول المدن التي غالبًا ما تحمل معها بعض أفكارها وسلوكياتها ونمط معيشتها الذي يختلف عما هو معمول به في المدن والمدنيات المستقرة بعض الشيء، حيث لا تكون قد انخرطت بقيم العمل المدنية ومتطلباتها ولا هي تجد ما يجعلها قادرة على البقاء في مناطقها، وأسهمت في تحديث هذه المناطق، ولكن بجعل الزراعة في جوهر القرار الاقتصادي أسهم ذلك في تعزيز معالم التنمية الاجتماعية المتكاملة، من شبكات طرق ومواصلات، وأصبحت على صلة يومية مع مختلف التطورات التنموية الاقتصادية.
وعن هذه الرؤية، وكيفية تداولها في الإعلام الخارجي، وعن إحدى مشاهداتها، قال آل الشيخ: لم تكن الزراعة في المملكة مجرد «فاترينات»، كما صورها الإعلام الخارجي عن المملكة، ودول الخليج عمومًا، بل أصبحت أمرًا واقعًا يمكن التعامل معه بسهولة، دون حاجة إلى الإعلام الترويجي، ولم تكن منجزات (افتراضية)، بل واقعية تعبر عن نفسها في جميع الأسواق، فقد كنا نسمع ونرى ما يدور حولنا، وماذا يقال عن الزراعة في بلادنا؟
كنا نشعر بأن بعضهم غير مصدق مطلقًا لأن الانطباع السلبي السائد عنا، قد تكرس في مخيلة البعض، بأننا شعوب استهلاكية فقط! وأن الإعلام يجامل المملكة في هذا الجانب، غير أن الحقيقة كانت صادمة للبعض، وآخرون لا يرغبون الاعتراف بهذا الواقع الذي فرض نفسه على الجميع.. ولا شك أن الزراعة وإعطاءها الاهتمام اللازم وتطويرها، من عناوين الدول القوية، فأغلب دول العالم تؤمن بضرورة تحقيق الأمن الغذائي بجوانبه الرئيسة الأساسية، وأن الاعتماد في ذلك على الأسواق الدولية، يجب أن يكون مؤقتًا، وليس دائمًا، خاصة أن المملكة قوة اقتصادية وسياسية، وذات حضور وتأثير دولي وإقليمي، الأمر الذي يستوجب تحقيقها للأمن الغذائي.
ولرؤية آل الشيخ، ورسالته وهدفه وغايته من تأليف هذا الكتاب، قال: إن جوهر فكرة هذا الكتاب يستند إلى أهمية العلوم والمعارف ودورها في نهضة الدول والمجتمعات، وكذلك الجامعات والمختبرات التي تنتج العلماء والخبراء والفنيين، وكذلك التجارب العالمية التي استفادت من أثر العمل وأهميته وانعكاساته اقتصاديًا على حياة الأفراد والأمم، وكذلك تجربة الزراعة السعودية التي حاول البعض أن ينظر إليها بدونية، وعدم اعتبار، غير أنها استطاعت أن تؤسس فعلاً، وعلى أرض الواقع، تجربة زراعية، منتجاتها ماثلة للعيان يوميًا، فضلاً عن تأمين المياه، مياه الشرب، لكل مواطن، وخفض التكلفة وتوطين العمل في هذا القطاع مبكرًا.
كما يضيف آل الشيخ في هذا السياق، عن كتابه، قوله: هذا الكتاب يروي جانبًا من قصة الأمن المائي والغذائي، وكل ما يتعلق بالتنمية الزراعية والحيوانية والسمكية في المملكة، والتحديات التي واجهتها من عام 1975- 1995م، في سبيل تحقيق الأمن الغذائي، تأمين الأمن المائي، لبلد يعد قوة ومرجعية للعالم الإسلامي، وقوة اقتصادية عالمية، فهذا البلد له دوره المؤثر في الاقتصاد والسياسة الدولية والإقليمية، ومن ثم فإن تحركه ترصده الدول والشركات والمؤسسات والمنظمات العالمية، وعليه فإن تعزيز استقلاليته الاقتصادية يمنحه دائمًا قوة أكبر في التأثير، ويضعف فرص الدول الأخرى في استغلال احتياجاته الغذائية والمائية.
لقد حفل الكتاب في ثنايا فصوله الخمسة، بعديد من الموضوعات التي تكاملت في رصد مرحلة عقدين من مسيرة الزراعة والمياه في بلادنا، بوصفهما ركنين من أركان الأمن وركائزه الذي يعزز ريادة المملكة وحضورها العالمي في مختلف المجالات التنموية، والمستدامة، فإلى جانب هذا التسلسل في الرصد لموضوعي، فقد ضمن آل الشيخ موضوعاته بعديد من الإحصاءات والرسوم البيانية والأخرى التوضيحية التي حفل بها الكتاب، التي جاء منها: شركات ومصانع التمور خلال هذه الفترة؛ إجمالي عدد وقيمة القروض التي قدمها البنك الزراعي العربي السعودي خلال الفترة 1964 - 2000م، إجمالي قيمة الإعانات الممنوحة عن طريق البنك الزراعي خلال الفترة 1973 - 2000م، خريطة المياه الجوفية وتقسيماتها في المملكة، تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في المملكة، السعة التخزينية لصومع القمح وطاقة إنتاج الدقيق والأعلاف حسب فروع المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق عام لعام 1995م، كميات القمح التي تسلمتها الصوامع من المزارعين خلال الفترة من عام 1978 - 1995م وقيمتها بالريال السعودي، تطور مساهمة القطع الزراعي في الناتج المحلي: الإجمالي بأقيام المنتجين بالأسعار الجارية 1974- 2000م، تطور إنتاج المياه المحلاة بالمليون بالمتر المكعب في المملكة العربية السعودية خلال الفترة 1990 - 1998م، ميزان المياه الوطني في المملكة.. وغيرها من الرسوم الإحصائية والأشكال التوضيحية التي رصدها الكاتب في إصداره الذي تميز بدقة المعلومة.. وعلمية الرصد.. وعملية التجربة.. ونمو الأفكار الاستراتيجية على أرض الواقع.. بوعي المسؤول.. وقلم المؤرخ.. وروح الباحث.. الذي أراد من هذا الكتاب (النوعي)، أن يضاف إلى رصيد مكتباتنا الوطنية، الذي يوثق خلال عقدين سيرة الزراعة.. ومسيرة المياه في بلادنا، بأسلوب سهل ممتع ممتنع، وعلمية تنساب انسياب الماء في جداوله، وتتدفق معلومات ورصد، تدفق ينابيع الواحات.. ما جعل من كتاب عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل الشيخ، من أبرز المؤلفات التي ترصد ذاكرة الوطن، وتوثق مسيرة منجزاته في هذا الجانب.