فهد عبدالله الزهراني
في إحدى المبادرات التي تشاركت بها مع مجموعة من الأصدقاء في فترة سابقة قررنا أن نعمل مشروعاً جديداً متعلّقاً بأحد التطبيقات الاستثمارية المفيدة للمجتمع من خلال الأجهزة الذكية، ومع كثرة النقاشات مع الفريق وبعد تجاوز مرحلة صناعة الهدف وجدنا أنه تم التخطيط لصناعة تطبيق غير واضح المعالم وذلك ظهر لنا عند البدء بالتواصل مع أحد المختصين في صناعة التطبيقات وظهرت أفكارنا المختلفة وغير المتقاربة لديه وبعد محاولات من شرح تشكلات الفكرة قال لنا: في الحقيقة لا أعرف ماذا تريدون؟!
هذا المشهد رغم بساطته إلا أنه يعبّر عن حالات مشابهة وبنسب متفاوتة في شركات ومؤسسات وجمعيات تسلك نفس ذلك السلوك بأنهم يقدمون على تحقيق هدف يظنون أنه واضح لديهم وعند بداية العمل أو في منتصفه يصلون لحالة (لا نعرف ماذا نريد؟!).
وفي الحقيقة الوصول لمرحلة (لا نعرف ماذا نريد) أجدها حالة من الوعي وحتى لو أتت متأخرة فهي بلا شك تفوق تلك الحالات التي تبدأ بها عالم الأعمال والأنشطة بأهداف شبه واضحة وبعد ذلك ترتبك الأمور وتنتهي الأعمال ولم يتحقق نتائج تُذكر ولم يتخاطر بأذهانهم أنهم لم يكونوا يعرفون ماذا يريدون!
وعلى طريقة اينشتاين في حكمته المشهورة «إذا كان لدي ساعة لحل مشكلة سأقضي 55 دقيقة للتفكير في المشكلة، و5 دقائق للتفكير في حلها!». سنحاول هنا رصد أبرز إحداثيات معضلة (لا نعرف ماذا نريد) كمحاولة لفهم بعض أبعاد المشكلة التي قد تساعد كثيراً في التوجه للحلول:
1. حرق مرحلة تكوين الهدف من خلال عدم وجود التركيز المطلوب في هذه المرحلة رغم أهميتها في تركيبة المنجزات، وفي أحيان أخرى قد يكون الهدف واضحاً جداً ولكن الحماس غير المنضبط للقائمين على تحقيق الهدف جعلت أفعالهم مشتتة وكأن المخرج النهائي لهذه الأعمال هو عبارة عن تحقيق أهداف أخرى لم يكن مخططاً لها عند الابتداء.
وفي حالات أخرى يكون هناك رصد لأهداف نوعية و مهمة جداً ولكنها كثيرة جداً غير قابلة للتحقيق مجتمعة ولكن طغيان الإرادة وشغف الإنجاز والحماسة غير الموجهة في إرادة تحقيقها جميعاً يجعلهم أيضاً يسلكون طريق لا نعرف ماذا نريد.
وحالات كثيرة أيضاً تجد أن مسطرة الهدف المطروح أكبر بكثير من إمكانيات الأفراد فتبرز الحاجة عندها لأهمية التقييم الصحيح للأهداف ومناسبتها وإمكانية تحقيقها.
2. عدم وجود خط أو خطوط إستراتيجية واضحة في كيفية تحقيق الأهداف. وبعض الأحيان يكون هناك خطوط إستراتيجية ولكنها تخضع للتغيير الدوري والمستمر عندها تصبح هناك حاجة لإستراتيجية في تغيير الإستراتيجيات، وفي أحيان أخرى يكون هناك كم هائل من الإستراتيجيات يتجاوز الكيف المعرفي الصحيح في تحقيق الأهداف أو تكون العملية معقدة جداً من أجل أن تضع خطاً إستراتيجياً واحداً.
3. من أكبر الأسباب في اتساع هوة (لا نعرف ماذا نريد) أن تكون الجهة المسؤولة عن الموارد البشرية ليست لديها القدرة على تمييز الكفاءة والأمانة في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب مما يؤدي إلى تعقيد المشكلة وتزايد تداخلاتها وتأخر المنظومة في تحقيق أهدافها العليا.
4. أن تكون الشركة أو المؤسسة مبنية على ثقافة الشخص الواحد بمجرد أن يترك هذا الشخص المنظومة ويأتي شخص جديد تتغيّر تلك الثقافة بثقافة الرجل الجديد. وتستطيع تفحص ذلك في الهدر الإستراتيجي للبرامج والمشاريع التي تقف نهائياً بمجرد وجود هذه اللحظة الزمنية التي يحصل فيها التغيير بين الأشخاص، بينما تجد في المنظومات الريادية العالمية لا تتأثر بالشخص القديم أو الجديد لكون مساحة التأثير محدودة لديه وسبب ريادية تلك الشركة أو المؤسسة بأن الذي يحكمها في قراراتها وطريقة تشغيلها ذلك النظام الذي لا يتأثر كثيراً بدخول أو خروج الأشخاص.
5. عندما يكون الاهتمام بالأموال والمشاريع والعمليات مقدماً على الاهتمام بالعنصر البشري، وذلك لغياب ثقافة أن أفضل استثمار ممكن أن تقوم به المنظومة الريادية هو الاستثمار في الإنسان، معضلة (لا نعرف ماذا نريد) في حالة تعارض العنصر البشري مع مصالح الشركة الأخرى تجعل من العنصر البشري الحلقة الأضعف الذي يقع في آخر الاهتمامات.