تمتاز شجرة الجميز بخضرتها الدائمة، وكثرة ثمارها (سبعة محاصيل في الصيف)، وبمذاقها الحلو، وضخامة حجمها؛ فهي تقدِّم الثمار الحلوة والظلال. وتذكرني شجرة الجميز بالعطاء اللامحدود من الآباء والأمهات؛ فهم يبذلون قصارى جهدهم، ويقدمون حياتهم ومالهم، ويعملون على توفير البيئة الملائمة والمعيشة المناسبة لأبنائهم، وكثير منهم يقدمها بطيب خاطر وبسعادة غامرة، يقابلها انشغال الأبناء، وقلة التواصل معهم، بل بعضهم يكتفي بالاتصال عبر الهاتف، ويعتقد أنه يقوم بواجبه على أكمل وجه، ويصنف نفسه بأنه بارٌّ بهم، ويعتقد أن وضع صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي وإرفاقها بعبارات الشكر والمدح لهم هي نوع من البر بهم، متناسيًا أنه من نوع البر (التنظيري) كصور الأكلات والأماكن والسيارات الجميلة ولكنها لا تسمن ولا تغني من جوع.
كثير منا عند تعامله مع والديه يتواصل معهما، ويجالسهما، ويقوم بدور الناقد والفاهم والمنظر عليهما، ويمارس مقاطعتهما، وتصحيح آرائهما، بل أحيانًا يجدها فرصة لكي يتصفح جواله ورسائله وهو بجوار والديه؛ فهي لحظات يريد أن يقضيها وكأنه مرغم عليها، لا يمازحهما، ولا يرسم الابتسامة عليهما، ولا يحرص على متابعة أخبارهما الصحية، ومشاركة أبنائه بالاهتمام بهم، وكأنها منهج حياة.
واعلم أن البر الذي وجَّه به ديننا الحنيف هو التعامل باللين، وخفض الجناح، والمراعاة، وتحمل تقلب مزاجهما وعنادهما وآرائهما، وتقديم المساعدة لهما (دون طلب)، وإكرامهما في كل شيء، والاستمتاع بقصصهما ولو كانت مكررة.. ولتتذكر أنهما طيلة حياتهما كانا كشجرة الجميز، يقدمان أطيب الثمار والظلال؛ لتنعم به، وتهنأ في حياتك دون عوائق. وإن أمك دومًا كانت تمارس التضليل عند سؤالها عن صحتها أو حاجتها، وتدعي أنها بخير وعافية وسعيدة، ولا ينقصها شيء؛ فقط لكي لا تنغص حياتك أو تكدرها أو تشعرك بالقلق عليها؛ لذا مهما بذلنا من جهد أو اجتهاد في بر آبائنا لا بد أن نؤمن بأننا لم ولن نستطيع أن نوفيهم حقهم أو جزاء ما بذلوه من عطاء وتضحية؛ فهم كشجرة الجميز، يقدمون لك أجمل ثمارهم (حياتهم وصحتهم ومالهم)؛ لكي تنعم بطعمها وظلالها وأمانها، مع العلم أنهم لا يذوقون طعم وحلو ثمارهم.. فأقل تقدير وبر لهم أن تتولى الاهتمام بهم في كل شيء، ورعايتهم بشغف وحب ودلال. ولنحاول أن نضع معايير ترسم لنا طريقة برنا واهتمامنا بهم، ولنحرص على الحصول على النقاط الكاملة في تطبيقه، ولنقسِّم ذلك إلى نقاط (كل حسب ظروفه وحالة والديه):
- درِّب نفسك على التواصل المباشر اليومي ومناداتهم بأسمائهم المحببة بعيدًا عن الشايب والعجوز.
- التناوب بين الإخوة لتناول وجبه أو التسامر معهم (بشكل شبه يومي، وبتناوب بين الإخوة حتى لا يشعروا بالقيود والارتباط).
- مشاركة اهتمام أو هواية يحبونها، ومشاركة قصصهم مهما كانت مكررة.. وأشعرهم بالاستمتاع بها.
- الخروج معهم في مكان عام، ويفضل أن تأخذهم وحدهم أو مع من يحبون من إخوانك؛ فالطلعة هي مقررة لهم، وليس كمجرد تكملة عدد (بشكل دوري حسب ظروفهم أولاً وظروفك ثانيًا).
- داوم على تقديم شيء يحبونه، سواء أكلاً أو شرابًا.
- إحضار هدية لهم في كل سفرة (بعيدًا عما لا يريدونه أو لا يستخدمونه).
- احرص على التصدق والاستغفار لهم، وعمل وقف لهم.
- إشراكهم في سفراتك أو طلعاتك البرية.
- إطلاعهم وأخذ نصحهم ورأيهم في قراراتك (زواج أحد الأبناء.. شراء بيت..).
- احرص على التوازن بين بر والديك وصلة أرحامك وعلاقتك بزوجتك، وحفز زوجتك على بر والديها، وادعمها، وحثها على ذلك (لأنها عدوى حميدة؛ لتحفزك وأبناءك على بر والديك).
- تدرب على أن تطور نقاط تعاملك وتواصلك مع والديك، وتطويرها، وتبديل خططك في برهم بشكل تصاعدي؛ فمهارة التواصل معهم تحتاج إلى استمرار ومثابرة وارتقاء.
جعلني الله وإياكم من البارين بوالدينا (كل حسب نقاطه والتزامه بها)، سواء الأحياء منهم أو الأموات؛ فلا ننسى أن بر الوالدين مستمر مدى العمر حتى بعد وفاتهما ببرهما بالصدقات والدعاء.. ولتجعل شجرتهما التي أظلتك ورعتك مثمرة مخضرة بالمداومة على رعايتها والاهتمام بها.