كوثر الأربش
لا يمكن أن يأتي شهر رمضان، دون أن يتبادر إلى أذهاننا « الغفران».
في البدء كانت الحياة عبارة عن اجتماع للأضداد. وعلى كل تلك الأشياء غير المتشابهة أن تعيش سوية. الماء والنار، الريح والتراب، وأنا وأنت. تقارب وتنافر، تضارب وتآلف. هذه هي قصة الحياة في رحلة دائمة للانسجام. هذا ما يدفع الناس للاختلاف حينًا، والاتفاق حينًا آخر. وهذا ما نسميه « المشكلة». الذين يتوقفون طويلاً أمام المشكلة لا يمكنهم المضي قدماً في حياتهم. البعض يصابون بمشاكل نفسية، قلَّة من لا توقفهم مشاكل الحياة.
الاختلاف أحد نواتج التضاد، لأنه لا يمكننا أن نصبح أشباهًا متكررة. بعضنا يحب ما لا يحب الآخر، وبعضنا يؤمن بما لا يؤمن به الآخر، وهكذا.
وللاختلاف درجات، إما أن تكون في أصغر أشكالها، كأن تختلف مع صديقك على عشاء هذا المساء. وقد تكون كبرى، كأن تختلف مع الآخرين على حق الوجود. أعني قد تؤدي بعض الاختلافات إلى أقصى حالات إثبات الرأي بالعنف : قد يقتل شخص ما آخرين لأنه اختلف معهم، وهذا يحدث.
ما الذي يمكنه أن يجعل شخصاً ما يعتدي أو يغتصب أو يقتل بسبب الاختلاف؟
إنه الشعور بأنك الوحيد الذي يمتلك الحق في أن يطرح رأيًا، أما البقية : إما أن يتفقوا معي أو مصيرهم الترهيب والعنف. أو في أبسط الحالات: القطيعة.
إنني أفكر دائمًا، في هؤلاء الذين يحقدون عليك للأبد. كيف يمكن أن يتحملوا ثقل الحقد كل تلك السنين؟ الحقد مثل العفن، كلما مكث أكثر، كلما تآكلت روحك. لهذا فإنه لا يوجد حل للبقاء طازجاً ودون عفن داخلي، سوى الغفران.
لكن قد يقول أحدهم، كيف أغفر وقد فعل فلان كذا وكذا؟
الأمر في غاية البساطة، أخطاء الآخرين ستبقى تطاردهم للأبد، حتى تمرضهم، فإذا سمحت للحقد أن يسمم قلبك، ستصبح مريضاً أنت أيضاً.
إن هناك كثيرين لا يحبون الاختلاف، وقد يكرهونك لأنك لا تشبههم، قد يشتمونك، يلعنونك، يحرضون عليك، يغتابونك ويجردونك من فضائلك. لا بأس، كل شيء في الحياة يتصرف حسب كينونته، النار تلتهب، والماء يجري، والريح تعصف. المؤذون يتصرفون كذلك لأن كينونتهم الأذى، لأنهم مرضى. لا تسمح لهم أن يمرضوك. دعهم يفعلون ما يمثلهم، ما يشبه ذواتهم. أنت.. تصرف مثل الماء، طهِّر كل شيء حولك، اجرِ كالنهر.. كن سليماً، واغفر.