د. جاسر الحربش
القبول بتسميتها صحوة لم يكن ليتم لولا قبول الظرف السياسي الدولي والإقليمي الذي حصل لثلاثة عوامل: الحاجات الدفاعية الإقليمية والحسابات السياسية الدولية والتوق الشعبي في كل العالم الإسلامي لأي محاولة لتغيير الأوضاع دون التفكير في النتائج.
الرفض الوحيد كان من الذين سمتهم الصحوة علمانيين وليبراليين، ليس لتميزهم ولكن لتصمهم كمعارضين للرغبة الشعبية والسياسية بقراريها السياسي العالمي والسياسي الإقليمي. الذي حدث بالفعل هو أن السياسات في كامل العالم الإسلامي بما في ذلك إيران الخمينية ويا للعجب اتخذت صمت القبول، لأن كل طرف أراد الاستفادة من التيارات الشعبية لصالحه. التيارات الدينية رفعت الشعارات على البيارق وفي كل مكان، ولم يكن للتيارات التي توجست من الظاهرة سوى استعمال نفس التسمية كمصطلح لا بد من استعماله، ليس عن قناعة وإنما كأمر واقع في خطابها الموصوم سياسياً وعقدياً بالتيارات العلمانية والليبرالية، وكذلك أيضاً التغريبية رغم مساهمة الغرب -آنذاك- في الظاهرة الصحوية.
إذاً، إن هي لم تكن صحوة فماذا كانت؟ كانت ببساطة انتهاز الفرصة السانحة للتكافل المذهبي والسياسي والبنكي والاقتصادي والشعبوي. الخطيب الصحوي «المفوه» ارتدى شعبوياً مسوح الناصح التقي وأوغل في التهييج والتكفير وإعلانات الولاء والبراء، والبنكي الصحوي التكسبي أوغل في الإقراض التورقي وتكديس الودائع المالية من المغفلين لاستثمارها بدون فوائد للمودع، والمتكسب بالعطارة والأعشاب والحبة السوداء أوغل في الترويج للتولات والزيوت والأعشاب، والخياط أوغل في القصقصة والتقصير والحفحفة للثياب والفضفضة للعباءات وأغطية الرؤوس، وهكذا تحولت الشراكة الشعبية والعقدية والسياسية إلى أسواق حرة من كل نوع.
الرموز الصحوية من ذوي المواهب الخارقة على التخدير والتكفير والتهييج تكسبت جماهيرياً بالحصول على وهم المناعة السياسية فاعتقدت وصدقت ووسوست لجماهيرها بأنها فوق المساءلة لأن لحومها مسمومة، ولم يكن ذلك سوى نوع من الانتشاء بما يشبه التصديق للمصاب بجنون العظمة المتوهمة بأنه فعلاً كائن عظيم تحرسه الجماهير بالدماء والأرواح والأموال.
أما الذين توجسوا منذ البدايات من مصائر الأمور في المستقبل فقد كانوا مشتتين وشللاً تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، وليس لهم سند ولا كفيل لا في الداخل ولا في الخارج. البعض منهم كان يتوجس من فقدان القدرة على الاستمرار في الممارسات العبثية واللهو، والبعض كان من الموهومين بأهمية الطلائع الثقافية الوطنية رغم تواضع محصوله الثقافي، والقلة القليلة من المثقفين المنفتحين على التعايش مع العالم إما صمتت لمعرفتها بأن الأمر مجرد ظاهرة مؤقتة لتصالحات نفعية عابرة، ولأنها تعرف عدم حصولها على القبول في رأي أو مشورة، بالإضافة إلى أن أفراداً من الظاهرة المتوجسة أوغلوا في التكسب الشعبوي داخل الرأي المعارض على غرار ما فعل النجوم من الرموز الصحوية.
لا لم تكن صحوة لوجه الله بل ظاهرة منافع متبادلة وعابرة. الاعتذارات التي بدأت حالياً يجب وضعها في نفس السياق المصلحي، ولكن المفروض التفكير في سرعة انجلاء الغبار الصحوي وسرعة الترحيب الشعبي والتقبل الجماهيري الواسع لذلك.