د. خيرية السقاف
وإن ترمَّض صيفك حرارة، أو زمهرير برودة فإن اللهاث فيك رمضان لا يوغل بالصائمين اعطشا، ولا يحيل سديم نفوسهم يبابا،
بل إن زخات مزون الرجاء، وأجنحة عصافير الأرواح فيهم تندى بها سجف الباطن، وتروى بها ملامح الظاهر..
سكون يخيم، سلام يحل، هدوء يعم، ولا سوى همهمات دعاء، وومضات تراتيل، وطيوف تمر كالنسيم، كل يحمل على نفسه تطهيراً، وكل يجاهدها تفصيلاً، وكل يجتهد بها سبقاً..
أي الذنوب وقد كثرت، وأي الضعف وقد تمادى، وأي الغفلة وقد هيمنت، وأي الكثرة وقد اختلطت، والمرء ساع للخلاص، باذل للانعتاق، والمغفرة بين عينيه «رب إن ذنوبي كثيرة بيد أن مغفرتك أوسع، وإن رحمتك أرجى من عملي»، لسان الحال،
وليس المحال حين يكون الوعد إلهياً، والرحمة شاسعة..
{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}..
ولأن الحول لله، والمغفرة ..
ولأن العبودية لله، والمنجى..
ولأن المشيئة لله، والعون..
ولأن العناية منه، والقبول..
فلله درك يا رمضان:
طارق يذكِّر، ورسولٌ ينبِّه، وفاحصٌ يسترجع..
تفتح الأبواب، تشرع السبل، تقرب الطرق، تنبسط المضامير..
ليلك، ونهارك، {الباقيات الصالحات} فيك تلهج بها الألسنة،
تخفق بها القلوب، ترطب بها النفوس..
تلك زخاتك الرحيمة بالسادرين في الأمل،
باليقظين فيك لقراءة أسفارهم، لإعادة ترتيب سطورها،
لاسترجاع ما قد كُتب على أديمها خطوة خطوة، نقطة، وحرف..
علها بممحاة العفو أن تُمحى،
وبإجابة التوبة أن تنقى، وبرحمة الله أن تطهر..