د.عبدالله بن موسى الطاير
الرئيس الأمريكي يحشد حاملات طائرات، وقاذفات عملاقة، وصواريخ باتريوت باهظة الثمن في المنطقة. إنه يكبد الخزينة الأمريكية مئات الملايين من الدولارات يومياً لإرغام إيران على الاتصال بالبيت الأبيض للتفاوض مع أمريكا مباشرة حول برنامجها النووي، وليس عن طريق الاتحاد الأوربي وروسيا والصين. الرئيس ترمب تعهد بوضع أمريكا أولاً، ولذلك فهو لا يريد اتفاقاً نووياً مع إيران تقوده أوروبا، وإنما يريد تفاهماً تكون عصمته بيد أمريكا. إنه يشعر بالحنق من تواصل الإيرانيين مع جون كيري الذي كما يبدو تحول إلى مستشار للخارجية الإيرانية في واشنطن. إذاً هناك أسباب فكرية، وانتخابية، وشخصية وراء هذه الغضبة الأمريكية على إيران.
البيت الأبيض يعتقد أن صرامة العقوبات، والحشد العسكري ضد إيران سوف يرغمها على الاتصال وطلب الحوار، ولذلك سارع بإرسال رقم التلفون الذي سوف يتلقى عليه الرئيس مكالمة الإيرانيين إلى السلطات السويسرية، التي تمثّل المصالح الأمريكية في طهران، ولكن هل سيتصل الإيرانيون؟ وإذا حدث وتم الاتصال فعلى أي مستوى سيكون؟ هل يكفي الرئيس المنتخب الذي لا يملك من قرارات السياسية الخارجية شيئاً؟ أو سيتولى الاتصال وزير الخارجية الذي يتلقى تعليماته من المرشد ومن قيادة الحرس الثوري الذي صنف مؤخراً مؤسسة إرهابية؟
نظرياً أتوقّع اتصالاً تكتيكياً تقتات عليه إيران حتى نوفمبر 2020م حين يتأكد لها التجديد للرئيس ترمب من عدمه، وعملياً أرى أن الاتصال متعذِّر في الوقت الراهن وذلك لأنه يخالف المبادئ التي قامت عليها الثورة، ويصطدم بشكل صارخ مع شعاراتها، ويتعارض مع فلسفة ولاية الفقيه. وما يجعل الاتصال شبه متعذِّر يستند في شق منه إلى الفشل الذي مُنيت به المفاوضات الأمريكية الكورية الشمالية، وهو ما يقوِّض بناء الثقة بين الطرفين.
العقوبات غير المسبوقة في صرامتها، وشمولها سلعاً إستراتيجية إلى جانب النفط كالحديد، وأخذاً في الاعتبار الحشود العسكرية المهولة التي تقصد تخوم إيران، وتراجع الاقتصاد الإيراني، وشح الإنفاق الحكومي، وارتفاع التضخم إلى أرقام قياسية، وتزايد أعداد العاطلين عن العمل، وتراجع القوة الشرائية جميعها تجعل العلاقات الأمريكية الإيرانية منفتحة على جميع الخيارات. من ذلك أن التذمر الذي تحدثه الضائقة الاقتصادية بسبب العقوبات ربما يشجع الشارع الإيراني على الخروج إلى الشارع بكثافة، وخصوصاً أنه يرى حماية أمريكية تلوح في الأفق. بيد أن أي حراك شعبي سواء قادته بعض الرموز الإصلاحية، أو خرج تلقائياً بدون قيادة يأخذ في الاعتبار عجز أمريكا عن مساعدة المعارضة الفنزويلية القريبة لها جغرافيا. كما أن الهدايا التي تبعثها التهديدات الخارجية للدول المارقة لا تقدَّر بثمن حين تتوحَّد مكونات الداخل خلف السلطات ضد أي استهداف خارجي لسيادة الأوطان. وأمام الضغوط الأمريكية الاقتصادية والعسكرية الهادفة إلى إرغام طهران على الاتصال بالبيت الأبيض تبدو إيران حذرة من ارتكاب أي خطأ يعرّضها لمخاطر قد تستهدف نظامها الحالي، ولكن في مثل هذه الظروف القابلة للاشتعال تلعب الأخطاء أو المخططات دوراً في إشعال شرارة الاشتباك الأولى. عندها سيكون رقم الهاتف الذي سلّم للسويسريين ليس لإعلان قبول الحوار حول البرنامج النووي الإيراني، وإنما لبحث إمكانية الهدنة وإيقاف الحرب.
هذه الأجواء المشحونة بالنوايا السيئة قابلة للاشتعال في أية لحظة ليس برغبة البلدين أمريكا وإيران، وإنما بسبب خارج عن إرادتهما يجعل قواتهما في موجهة نيران بعضهما البعض، وعندها فقط يدرك الجانبان تلك اللعبة الخطرة التي انخرطا فيها بمحض إرادتيهما. إذا ضمنت الدولتان عدم حصول هذا الخطأ غير المقصود، أو المدبر من جهة ثالثة، فإن الإيرانيين سوف يتصلون ولو بعد حين طلباً للتفاوض. وعندها سوف نرى وجهاً أمريكياً آخر في منطقتنا.