عمر إبراهيم الرشيد
وددت أن يكون مقالي اليوم كسابقه. وخلال الشهر الفضيل في نافذتي الأسبوعية هذه مقال خفيف، لا تنغصه السياسة وأغوارها، ولا هموم التنمية والمجتمع على أهميتها.. على أن الحديث عن الثقافة والمثقفين وأثرهم ليس خفيفًا كقيمة.
يذكر الكاتب المصري الشهير عبدالحميد جودة السحار أنه حين أراد نشر إحدى رواياته لم يتمكن من الحصول على الورق بسبب الأزمة العالمية خلال الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن أن الموجود في السوق المصرية حينذاك باهظ الثمن، ومقصور على الصحف والمصالح الحكومية. عندها لجأ إلى السوق السوداء؛ فاستطاع الحصول على ورق، تم انتشاله من سفينة حربية ألمانية، غرقت بفعل قذائف الحلفاء، لكنه اضطر إلى تكليف (المكوجي) ليكوي الورق؛ لأنه كان متجعدًا بسبب مياه البحر! حقيقة كم أكبرت هذا الكاتب وجَلَده ومثابرته في سبيل نشر الثقافة والفكر، والإسهام في تنوير مجتمعه والمجتمعات العربية بشكل عام، وهو المعروف بثقافته الأصيلة، ونزعته العربية والإسلامية؛ فهو كاتب وروائي ومثقف بالمعنى الشامل لهذه الكلمة.
ولا ننسى أنه كتب في أوج المد الاشتراكي وقوة معسكره السوفييتي ومن يدور في فلكه من دول. ويذكر السحار في كتابه (صور وذكريات) أنه تراجع عن فكرة ربط الإسلام بالاشتراكية؛ لأن النظام الاقتصادي الإسلامي نسيج وحده. ثم إن هذا المثقف العريق كتب رسالة إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعنوان (النظرية الإلهية والتفسير الروحي للتاريخ)، وذلك عقب صدور القوانين الاشتراكية في مصر عام 1961، وكتب تحت عنوان الرسالة مقولة لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (هذا ما رأيته، فإن يك صوابًا فمن الله، وإن يك خطأ فمني)!
بقي أن أشير إلى أن عبدالحميد السحار كان مترجمًا في القوات الجوية في الجيش المصري في عهد الملك فاروق، وكان يقرأ ويؤلف إلى جانب عمله. وتقبَّل الله صيامكم. وإلى اللقاء.