سام الغُباري
اعتذر عائض القرني لأنه عربي، فمتى يعتذر الفارسيون السُلاليون في اليمن؟ أولئك الذين التصقوا بالهاشمية -كذبًا- وفتحوا باب الانتساب إليها كأنها جمعية خيرية، يحاربون اليمنيين منذ ألف عام بمعارك إبادة ومذابح تهتز لها أفئدة البشرية ويرتعش من دمها المؤرخون الصادقون.
يرفض «عبدالملك بدرالدين» -كما هو ديدن أسلافه- مجرد البقاء في هوية اليمن وضمن حدوده السياسية الوطنية، ذلك سيجردهم من «وهم الولاية» التي استحضرتها «الساسانية الزيدية» في شروطها الأربعة عشرة الشهيرة، فيبقى سبيلهم في الحصول على جواز سفر يمني «أداة وظيفية» اضطرارية للتنقل بين دول العالم، لكنهم رغم ذلك لم ولن ينسوا أنهم مجتمع آخر يتلقى تعليمات بوهيمية تدفعهم إلى الانغماس في حياة إجرامية تُعيِد اليمنيين إلى الحياة القديمة.
اعتذرت حكومة الوفاق في صنعاء ذات ليلة حمقاء عن حروب صعدة التي شمّرت سواعدها للقضاء على التمرد الحوثي، واضطر قادة الجيش -يومذاك- إلى التواري خجلاً وراء أفعالهم التي شهدت محاكمة علنية صادمة للشعب، فخرج اليمنيون يعلنون «لست الشعب يا حوثي»، لكنه كان مُصِرًا على الانتقام من اليمن كله، وذبح أولئك القادة العسكريين الذين فاجأوه في كهوف الغيبة والضلال، كان آخرهم «الرئيس الراحل علي عبدالله صالح» الذي كُسر رأسه ومُزِق جسده بعشرين رصاصة، واشتملت حفلة إهانته مشهدًا مروعًا وباكيًا من كل اليمنيين -أصدقائه وخصومه على السواء-.
تتوقف طبيعة التعايش على ضرورة الاعتذار العلني، ذلك ما يجب أن يتوقف مجلس النواب أمامه ويشغل به مهامه في مرحلة ما بعد رمضان: (صياغة قوانين تُجرم السُلالية في اليمن بحزم، اعتذارات علنية من قادة الميليشيا الحوثية عن كل ما اقترفوه في حق اليمنيين، واعتذارات مقابلة من السلاليين عن مذابح أسلافهم التاريخية في اليمن، وإدانة كل مروياتهم الخطيرة التي تؤسس لتناحر مخيف ومستدام).
إن تلك الاعتذارات على بساطتها اللفظية تضمن لغة تعايش مهمة مستقبلاً، فمرحلة «جبر الضرر» المأمولة في حال الوصول إلى سلام طبيعي مع وكلاء إيران في اليمن - وهو ما لا يمكن توقعه على المدى المنظور- يجب أن تتضمن جسرًا أول للسلام، قد يبطئ من تضخم الكراهية في الداخل اليمني ويعيد صياغة العلاقة المجتمعية وفق مبدأ الاعتذار أولاً.
بالنسبة لي لا أجد حكمة في التعايش مع ذئب، فكيف بقطيع منها. الذئب يُسنّن أنيابه كل يوم بانتظار ضحية غافلة خرجت عن سرب الحياة ليلتهمها. يشعر اليمنيون اليوم بالغضب من استمرار الحرب المدمرة التي أعلنتها سُلالة الساسانيين عليهم، لكنهم غير مجبرين على قبول نهاية حرب لا تنتهي باعتذار واضح، وإن كان قائلها ذئب يعيش أصلاً على حرفة الصيد، الدم جزء من تكوينه، والقتل بداية أولى لإعلان انتمائه.
إننا نشدد على دُعاة الصحوة وتنظيم الإخوان ضرورة الاعتذار عن كل مآسيهم وإعلان تخليهم عن «وهم الخلافة»، لكننا ننسى في غمرة انشغالنا بهم، مجتمعًا زئبقيًا يعيش بين ظهرانينا كعرب، وفي عمقنا كيمنيين يعتبرون «الولاية» جزءًا من تكوينهم، تُمنح لعرق واحد دون سائر المسلمين، عرق يرى أحقيته في الحكم عبر الجهاز التناسلي فقط، وهؤلاء هم الذين غفلنا عنهم في صنعاء وقت كُنا نصارع طواحين الهواء مع أخوة لنا في الدم والعشيرة، ولم نصحُ من ملاحقة صحيفة «الصحوة» حتى رأيناهم على أبوابنا بالمدافع والدبابات والألغام، وجوههم فارسية، وعلى أكتافهم ورؤوسهم صور الخميني، يصفعوننا ويعلقون رؤوسنا في المشانق، ويهتفون باسم الله والنبوة والحق المزعوم.
هؤلاء أحق أن نخشاهم، لأنهم لا يعتذرون، يقتلون فقط، ويمضون بثقة كأن في سيوفهم الرحمة وفي باطن عذابهم الجنة والنعيم، هم الذين يحتشدون على حدود الكويت فيما يُسمى الحشد الشعبي، وفي اليمن بشعار الحوثيين، وفي لبنان باسم حزب الله، وفي سوريا تحت غطاء الأسد، وفي قُم يقوم قائمهم بإعلان مهم: أنه الدجال الذي أنجبه الشيطان في ليلة غير مباركة.
.. وإلى لقاء يتجدد