اللواء المتقاعد د.صالح بن محمد المالك
تقوم وسائل الإعلام الغربية وبعض وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية والكثير من وسائل الإعلام الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي بحملات دعائية مغرضة ضد المملكة العربية السعودية. هذه الحملات الدعائية المغرضة المدروسة والمخطط لها تهدف إلى الإساءة للإسلام أولاً، ثم لحكومة المملكة العربية السعودية ثانيًا؛ لأنها الدولة الأم لجميع الدول الإسلامية، ولوجود الحرمين الشريفين والكعبة المشرفة قِبلة المسلمين. كما أن لموقف المملكة العربية السعودية الثابت والقوي مع الدولة الفلسطينية، ودفاعها المستميت عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين WW(المسجد الأقصى)، وجميع قضايا المسلمين منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - إلى أن يتم تحرير بيت المقدس، الدور الكبير في هذا العداء للمملكة العربية السعودية. ولا شك أن موقف المملكة الدائم ضد إسرائيل، وموقف المملكة ضد التدخلات التوسعية الإيرانية والتركية في الأراضي العربية، سبب رئيس لهذه الحملات العدوانية التي تهدف بشكل واضح إلى محاولة التشكيك في نظام الحكم القائم بالمملكة، ومحاولة غرس الفتنة والفرقة بين أبناء الشعب السعودي، وخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي. كما تهدف هذه الحملات إلى محاولة التشكيك في الإسلام كدين ونظام حكم، والتشكيك في الشريعة الإسلامية كدستور حياة للمملكة العربية السعودية.
وقد تطرق العديد من وسائل الإعلام إلى هذه الحملات على أنها (حملات إعلامية). علمًا بأن هذه التسمية غير صحيحة، خاصة فيما يتعلق بأهدافها وأساليبها؛ إذ إن الحملات الإعلامية غالبًا يكون الهدف منها التوعية بما يحقق الصالح العام في المجتمع، وتثقيفهم، وتوسيع مداركهم، ولكن الحملات الدعائية تهدف إلى خلق البلبلة في المجتمع السعودي مما يساعد على زرع الفتن والأحقاد، والتشكيك كذلك في نظام الحكم القائم، ومحاولة النيل من الرموز القيادية بالمملكة العربية السعودية، خاصة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع مهندس رؤية المملكة الطموحة (2030). والحمد لله، كلما زاد حقدهم وغيرتهم على سموه زاده الله رفعة وعلوًّا داخل المملكة وخارجها.
هذا الإيجاز البسيط للتفرقة بين (الحملات الإعلامية) و(الحملات الدعائية) يقودنا إلى سؤال إعلامي، هو:
كيف نستطيع مواجهة مثل هذه الحملات المغرضة في ظل ضعف وسائل إعلامنا، ومحدودية انتشارها مقارنة بوسائل الإعلام الغربية؟ وكيف نستطيع صد هذه الدعاية من خلال ما يطلق عليه الدعاية المضادة:- (وهي الجهود الاتصالية التي تبذل لإحباط تأثير الدعاية الموجهة)؟
قد يبدو للبعض أن الإجابة عن هذا السؤال سهلة جدًّا في ظل وجود الكثير من القنوات الفضائية العربية في عصر الأقمار الصناعية بجميع أرجاء العالم.. ولكن الحقيقة ليست كذلك؛ لأن هذه القنوات الفضائية ووسائل الإعلام العربية الأخرى جميعها موجهة إلى العرب أنفسهم، وتتحدث باللغة العربية، ويوجد في وسائل إعلامنا سباق محموم لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الجمهور العربي. علمًا بأن نسبة كبيرة مما ينشر في وسائل إعلامنا منقول أو مترجم من وكالات أنباء أجنبية.
هذا يتطلب ضرورة القيام بخطة مدروسة طويلة المدى، تتضافر فيها الجهود السعودية الحكومية والشعبية بإنشاء قنوات تلفزيونية سعودية مجهزة بأحدث تقنيات الاتصال، تتحدث باللغات الأجنبية، منها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية، وغيرها من اللغات الأخرى، على أن تبذل جميع المحاولات لإدخالها جميع المنازل في جميع الدول الغربية بدون مقابل، ونستطيع من خلالها إعطاء الصورة الحقيقية عن الإسلام، والتصدي لجميع الشائعات والحملات المغرضة ضد الإسلام والمسلمين. ولا أعتقد أن هذا مستحيل في ظل التجارب الكبيرة في البث الفضائي العربي.
وفي ظل الظروف الراهنة فإنه بإمكان المملكة العربية السعودية شراء مساحات بث في بعض القنوات العالمية كـ(CNN) و(BBC) وغيرها من القنوات العالمية واسعة الانتشار، على أن يكون البث موجهًا إلى الدول الغربية بلغاتها لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام بدلاً من الصورة المشوهة التي تبثها وسائل الإعلام الغربية المختلفة. ولا أعتقد أن هذا الأمر مستحيل. مع العلم بأن إسرائيل وحدها تنفق بلايين الدولارات على وسائل الإعلام لقناعتها بأهمية الدعاية، ودورها الكبير في كسب تعاطف وتعاون الدول الغربية معها من خلال تقديم الصورة السيئة عن العرب والمسلمين، خاصة السعوديين، ووصفهم بالإرهاب، ومحاولة قلب الحقائق، حتى أصبح المسلمون في نظر الغرب هم المعتدين، وهم القتلة، وهم الإرهابيين، وأصبح اليهود المحتلون هم المسالمين، وهم المحتاجين للدعم والمساندة والمساعدة.. وهكذا يظهر الهدف الحقيقي من الدعاية الصهيونية.
ويجب أن لا تقتصر مواجهات هذه الحملات المغرضة على تفنيدها خارجيًّا، وإنما تحتاج هذه المواجهة إلى توعية الجماهير في الداخل، وتمكينهم من إدراك الأسلوب العدائي الشرس، والأكاذيب الزائفة، من خلال الحملات المغرضة.
إنَّ من أنجح أساليب المواجهة إشراك الجماهير أولاً بأول في معرفة أعدائها، والأساليب التي يستخدمها العدو في إشاعة القلاقل، وبث روح الفُرقة، وعدم الثقة والشك، في الداخل والخارج؛ ولهذا فإن الإعلام الداخلي المنظم السريع يعتبر خط الدفاع المباشر في مواجهة الدعاية. ومعنى هذا أن تبدأ مواجهة الدعاية من القاعدة لا من القمة عبر استخدام المواطنين السعوديين وسائل الإعلام الحديثة بجميع أنواعها للذود عن المملكة العربية السعودية حكومة وشعبًا بكل السبل والطرق المشروعة، وأن يكون للقادة المحليين دور بالغ الأهمية في ذلك. كما أن لجميع الإدارات الحكومية والمؤسسات الأهلية دورًا مهمًّا في مواجهة الدعايات المغرضة بشرط أن يكون ذلك في إطار تخطيط مدروس تحت إشراف لجنة إعلامية متخصصة.