أحمد الجنيدل
إن معادلة «صديق عدوي هو عدوي» لا تشكل أساسًا صلبًا في العلاقات الدولية، وهذه النظرة المانوية لا يتم نهجها من قبل الدول إلا في لحظات الحروب الشاملة التي يضطر فيها كل الأطراف لاتخاذ موقف من أوار الحرب التي ستصل للكل. وليس غريبًا أن آخر مرة سطعت هذه المعادلة في سماء السياسة الدولة كانت في الحرب العالمية الثانية. لكن العلاقات الدولية أشد تعقيدًا من ذلك، فأصدقاء الأعداء قد يكونون أصدقاء أيضًا.
وهذا الذي تحاول أن تثبته روسيا منذ تولي فلاديمير بوتين زمام السلطة. إن الدور الروسي في المنطقة لافت للأنظار. فروسيا صديقة لإيران وحليف أساسي لسوريا، لكنها استطاعت المحافظة على علاقة جيدة مع خصوم هذه الأنظمة. هذا المقال يحاول أن يجلوا أسباب التقارب بين روسيا والسعودية رغم الخلاف في مواضيع حساسة مثل الموقف من إيران وسوريا.
هناك سببان رئيسان لتطور العلاقة إلى هذا النمط، الأول أن روسيا خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتي وهجرت فكرة التبشير بالشيوعية وثورة البوليتاريا وقلب أنظمة الحكم. إن السعودية رأت في الطابع التبشيري للثورات إضافة إلى دعم الاتحاد السوفيتي للحركات الشيوعية من وراء ظهر الحكومات تهديدًا للاستقرار.
لكن اليوم، روسيا تخففت من تلك الحمولة الايديولوجية والحقيقة أن هذا النهج الإيديولوجي جعل روسيا موردًا جذابًا للأسلحة أكثر من الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة أكثر تدخلاً في الدول من روسيا، ويه تربط بين صفات الأسلحة بالسياسات الداخلية للدول وقد يعرقل الكونجرس صفقات الأسلحة، لكن روسيا لا تفعل ذلك.
الأمر الثاني هو النفط، فالتوسع في إنتاج النفط الصخري الأمريكي شكل تهديدًا للسياسة النفطية الروسية، ورغم أن روسيا كانت في السابق غير مستعدة للتعاون مع دول أوبك لخفض الإنتاج، فإنها أصبحت أكثر تعاونًا مع أوبك بعد زلزال النفط الصخري الأمريكي الذي هز الأسواق النفطية. وتحالفت المملكة العربية السعودية مع روسيا لإنشاء تكتل يضم دولاً منتجة للنفط من أوبك وغير أوبك للتوصل إلى اتفاق بشأن خفض إنتاج النفط والمحافظة على أسعار السوق. وصار التنسيق في السياسة النفطية أكثر من قبل بفضل هذا التفاهم بين البلدين.
لكن الدور الروسي لا يتوقف هنا، فهي أيضًا حليفة لإيران والنظام اسوري وسياستها هناك تتعارض مع السياسة السعودية. لكن يجب التنبه إلى أن الحلف الإيراني الروسي أوهى مما يظهر، فروسيا أيدت فرض عقوبات على إيران عام 2010 ولم تستخدم حق النقض «الفيتو» عندما فرض مجلس الأمن عقوبات على إيران، وامتنعت عن تسليم أسلحة إلى إيران كان قد تم الاتفاق على تسليمها بسبب العقوبات. روسيا نفسها تضع مسافة كبيرة بينها وبين حلفاء إيران التقليديين، وهي لا تصنف حزب الله أو الحوثي حلفاء لها. وهي أيدت الحملة العسكرية ضد الحوثي في اليمن ودعمت القرارات التي تدين الانقلاب الحوثي في اليمن، أكثر من ذلك هي تستقبل وزير خارجية الحكومة الشرعية اليمني في موسكو وتعده ممثلاً لليمن. الموقف الروسي في سوريا قد يكون مريحًا لخصوم النظام السوري أيضًا، فهو يعمل على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا وما تصريح نائب وزير خارجية روسيا أنهم ليسوا حلفاء مع إيران إلا دليلاً على ذلك. إن روسيا تدعم النظام السوري وتدعم بشار الأسد تحديدًا، لكنها ليست مستعدة أن تكون سوريا ممرًا لأسلحة حزب الله ولذلك رفضت استخدام أسلحتها ضد الطيران الإسرائيلي. التواجد الروسي في سوريا يمنع من احتكار إيران لسوريا وهذا أفضل للسعودية.. ولسوريا أيضًا.