عبد الرحمن بن محمد السدحان
1) سُئلت مرةً: تسعة عشر عامًا، في أروقة الخدمة المدنية.. أليستْ كافيةً لتتبنّى رايةَ الذود عن حِمَى مستقبل الشباب وتخليصهم من غول البطالة وأذاها؟!
فأجبتُ:
* وماذا عسى تجربةُ تسعة عشر عامًا لإنسان متواضع القدرات مثلي في خدمة (الخدمة المدنية) أن تفعلَ لفَكّ (أحاجي) بطالة الشباب كما يصفها سؤالك، فيما يسهرُ الخلقُ جرّاها ويختصمُون! الأمر كله في تقديري المتواضع خلاصة (ثقافة) تبدأ وتنتهي بتراكمات (تفترض) بدْءًا أن (الوظيفة العامة) بديلٌ لا بديلَ له، وهي الخيار الأول والثاني والأخير، إن لم يكن الخيار (الأوحد) للشاب الجامعي وحامل الابتدائية، وما عدا ذلك فأمر استثنائي! حتَّى لو تعثّر خيارٌ، وتيسّر آخرُ، في أحد دهاليز القطاع الخاص، تظل (الوظيفة الحكومية) حلمًا لا يعادلهُ حلمٌ، وبديلاً لا عِوضَ عنه!
* * *
* دعوني أقولها بصدق وصراحة، لنسَاعد جميعًا الشاب، ومجتمعَه معه، على الخلاص من (سحر) (الوظيفة العامة) وأحلام يقظتها وما ترمز إليه ثقافتُها! يسرٌ لا عسرَ فيه، وارتخاءٌ لا جدَّ فيه.. ولا سؤال ولا عتاب أو عقاب! فضلاً منكم معشرَ الآباء والأصدقاء والأنداد: دعُوا الشابَّ يبحث عن (مناخ) ملائم لناقة حلمه وتحصيله! فإن سألكم العَون، بلا اتّكال إلاّ على الله، فأعينُوه بما استطعتم إليه سبيلاً، ولكن بعيدًا عن بواباتٍ (الواسطةِ) ونوافذِها و(الثقوب) في جدران مكاتبها، فتُحرِجُون الغيرَ وتُحرَجون!
* * *
2) وسألني سائل ذات يوم: لماذا أنت حتى الآن تتذكّر بمرارة معاناةَ بدَاياتِك في الحياة التي عشتها رغم كل ما تحقق لك بفضل من الله من مكاسب وأحلام وطموحات؟! أم أنّ العيشَ وسط نزيف الألم قد زادك إصرارًا للاستمرار في رحلة العمر، والسير في قافلة الإبداع حتى الآن؟!
فأجبتُ:
* أحمد الله فوق كل شيء، وقبل كل شيء وبعد كل شيء، أن مشواري في الحياة بدأَ بالألم، وتغذّى منه، وعانى في سبيله، وقد أنْبَتَ هذا الموقفُ في نفسي غرسَة التحدّي، لا الاستسلام، طمعًا في أن يكون غدي خيرًا من أمسي، والمرءُ السويُّ لا بد أن يتذكَّرَ ماضيه، بسَرّائه وضَرّائه، يستلهم منه العبرة، ويتزوَّد بالعزم! هكذا بدأتُ.. وكذلك نشَأتُ، ومن ذلك تعلّمت، ولذا، أظل أتذكر ألمَ الأمس بشيءٍ من العرفان، فلولاه، بعد عون الله وتوفيقه، ثم دعاء الوالدين الغاليين -رحمهما الله- ما صرتُ إلى ما صرتُ إليه اليوم: يُسْرٌ بعد عُسْر، ووفرةٌ بعد ندرة، وابتعادٌ عن شأفةِ القنُوط! وللهِ الفَضْلُ من قبل ومن بعد!