يعتقد بعض البشر أن «الحياة» هي عبارة عن لهو ومرح وأكل ونوم فقط، وما علم المسكين أن هذا هو فعل «الحيوان» الذي لم يأمره الله تعالى بأعمال العباد كالصلاة والصيام والعبادة وغير ذلك، ومع ذلك فنجد «الحيوان» يعمل ليكسب قوت يومه، فيجد ويجتهد دون كلل أو ملل، ولنا في «النمل» أكبر مثال وأجلّ دليل.
عندما خلق الله تعالى الجن والأنس ما خلقهم عبثًا، فقد قال تعالى في محكم آياته {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}.
بل خلقهم سبحانه وتعالى لحكمة بالغة عندما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
فأصبح حال الحياة القصيرة التي نعيشها، اختبارًا حقيقيًا لقوة الخير وطغيان الشر، صراع حقيقي بين البشر وبين الشيطان الذي توعد الإِنسان أن يثأر منه لإخراجه من الجنة، قال تعالى على لسان الشيطان {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ على لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً}، ومعنى لاحتنكن أي لأستولين عليهم، ولأستأصلنهم، ولأستميلنهم، ولأضلنهم، والنتيجة لتلك الصراعات بين الخير والشر، إما {جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} أو {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى}.
ومع كل ذلك فالحياة جميلة ويسعها ما يسع هذا الكون من ناحية ألا ينسى الإِنسان نصيبه منها في حدود المعقول والمباح كما قال تعالى: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}.
إذن نستطيع أن نوازن بين هذا وذاك، بين استمتاعنا فيما أباح الله لنا، وبين ما أمرنا الله تعالى أن نقوم به من العبادات التي تقربنا إليه سبحانه وتعالى، وأولها وأهمها عماد الدين (الصلاة) التي إن صلحت صلح سائر عمل العبد، وإن فسدت والعياذ بالله فسد سائر عمله والله المستعان.
و»العمل» ذكر كثيرًا في القرآن الكريم كقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، ونحن عندما نعمل ونعمّر الأرض، فإنما نعمل ذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، كي نتمكن من العيش فيها وأداء ما أوجب علينا، حتى يحين موعد انتهائها وزوالها بكل ما تحمل على ظهرها من جبال ومبانٍ وغير ذلك، كما قال تعالى: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}.
والحياة هذه عجيبة غريبة، ومن يتعلق بها فكأنما يتعلق بسراب غير موجود أو بحلم سينتهي بمجرد الاستيقاظ، وكلنا نسترجع الماضي ونستذكر ما فيه ثم نقول لأنفسنا يا سبحان الله كأنه الأمس القريب.
وكم غادرنا صديق أو حبيب أو قريب، وكما رددنا هذه العبارة «كأنه ما كان»، وسيأتي الدور علينا في يوم من الأيام، ليقال عنّا نفس العبارة «كأنه ما كان».
إذن أحبتي، لنتعظ من العبر ومن القصص، ولنعود إلى القرآن الكريم الذي فيه من الدروس ومن الأحداث التي تغنينا عمّا سواه.
لنعمل من أجل الآخرة التي هي معادنا ومآلنا، ولنعمل ولنجد ونجتهد، ونتقرب أكثر فأكثر من خالق هذا الكون العظيم، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ}.
جعلنا الله وإياكم من الفائزين في الدنيا والآخرة، وممن يدخلون الجنة دون حساب أو سابق عذاب، قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إلى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إذا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.