تروى العديد من قصص العطاء والتضحيات من الأمهات مع أبنائهن، ومر أغلبنا بقصص واقعية وتجارب مع أمه أو أمهات من أقاربه أو جيرانه، وكان شاهد عيان على ما تقدمه الأم من عطاء بلا حدود وبسعادة وحب عامرة، لم تبخل بصحتها أو مالها أو وقتها في سبيل تلبية رغبات وحاجات أبنائها، لم يمنعها مرض أو تعب أو انشغال عنهم، فهم أولوية مقدمة حتى على نفسها، وسمعنا وشهدنا أو عايشنا تضحيات وعطاءات من باب الخيال لأمهات لم يردعهن أي عائق لتقديم الحياة الأفضل والراحة لأبنائهن.
ومنذ إدراكك ووعيك على الحياة تجد أن أمك تمارس الإيهام المتعمد لترغبك بالأكل أو المذاكرة أو النوم أو تشعرك بالسعادة، المهم أن تحجب عنك كل ما ينغص أو يكدر خاطرك، وعندما تكبر بالعمر وتضعف صحتها وتخور قواها يزيد استخدامها التوهيم (لتضللك) فتوحي لك دوماً بأنها بصحة وعافية ولا تحتاج أي شيء، المهم أن تنتبه لنفسك ولا تشغل بالك بها. فمهما عانت من آلام أو حاجة فهي لا تبوح بها خوفاً أن تكدر عليك أو ترهقك مالياً فتحاول بشتى الطرق أن تبدو سعيدة وبصحة جيدة وتتحامل على آلامها وإخفاء احتياجاتها.
أحذركم من توهيم (وخداع) الأمهات، فابذلوا أقصى درجات انتباهكم ووعيكم لملاحظة ومتابعة كل صغيرة وكبيرة في حياتها ولا تنتظر أو تتوقع أن تبادر هي بالتعبير عن حاجاتها أو آلامها (فذلك شبه عسير)، احرص على تتبع وإحضار ما تحتاج إليه وتوفير ما تحب (دون سؤال) وداوم على تقديم الهدايا وطلب المشورة والنصح منها فذلك يشعرها بالحياة والسعادة، واعلم أن كلما تقدم بها العمر أصبحت متعففة بالطلب وبحاجة أكبر للاهتمام والرعاية والسؤال والمجالسة والمؤانسة ولا تكتفي بالتواصل الهاتفي فقط فهو غير كافٍ ولا تتذرع بانشغالك وارتباطاتك وظروف حياتك (فضعها كأولوية).
ومارس أنت معها التوهيم واستخدم التضليل بحجب ما يكدر خاطرها ويشعرها بالضيق، واحرص على نقل الأخبار المفرحة والقصص السعيدة وما يدخل البهجة ويشعرها بالسعادة والسرور وتواصل مع من تحبهم، وأشعرها دوماً بأنك بخير وكل أمورك جيدة بعيداً عن نقل ما يؤذيها أو يكدر خاطرها. فأغلبنا عندما يقدم معروفاً أو مساعدة لأحد يتوقع أن يكون جزاء الإحسان إلا الإحسان وعندما يتنكر له يشعر بالضيق والسوء والخذلان من زميله أو صديقه علماً بأن ما قدمه من معروف أو إحسان لزميله لا يساوي ذرة من عطاءات وتضحيات ومتاعب أمه معه، لذا حثنا ديننا الحنيف على أهمية بر الأم لعظيم ما تقدمه وتفعله لأبنائها طيلة حياتها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله? فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ يعني: صحبتي، قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه، رزقني الله وإياكم بر وطاعة أمهاتنا الأحياء (أطال الله في عمر والدتي) منهن بالتواصل والعطف والرحمة والرعاية وتفعيل الحجب لكل ما ينغص أو يكدرها، ورحم الله الأموات منهن والدعاء بالمغفرة والرحمة ومداومة التصدق عنهن.