سلطان بن محمد المالك
(أمام الطفل المولود في اليابان فرصة للعيش حياة أطول من حياة الطفل المولود في سيراليون بنحو 43 عاماً)، استوقفتني هذه المعلومة كثيراً وزادت شغفي للبحث والقراءة أكثر عن الموضوع. وتساءلت في نفسي بماذا يختلف الطفل الياباني عن الطفل السيراليوني؟ فجميعهم بشر!! إذا لماذا هذا الفارق الكبير في فرصة العيش بينهما. ووجدت أن السبب يكمن في اختلاف الظروف المعيشية التي تتوافر لكل واحد منهما. كما وجدت خلال بحثي أن السبب الرئيس هو اختلاف المحددات الاجتماعية للصحة بين الطفلين واختلافها بين الدولتين.والمؤكد تأثير اختلاف نوعية الحياة داخل البلدان وفيما بينها في أعمار السكان.
في الآونة الأخيرة تزايد الاهتمام في الدول وبدعم من منظمة الصحة العالمية بالمحددات الاجتماعية للصحة، ووفقاً للمنظمة تتمثل المحددات الاجتماعية للصحة (Social determinants of health) في الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيش الأفراد تحتها والتي تحدد صحتهم. وتشمل تلك المحددات: الأصدقاء والعائلة والمجتمع المحيط، التعليم والمهارات، السكن، الغذاء، البطالة والأمان الوظيفي، بيئة العمل المحفزة، الرعاية الصحية، التمييز وعدم المحاباة بين الناس، النقل، مستوى الدخل.
فصحة الفرد ومرضه لا تقتصر فقط على الأمور الوراثية المسببة للأمراض بل تتجاوزها إلى تأثرها بشكل كبير بالمحددات الاجتماعية للصحة المحيطة بكل شخص وفي كل مكان. فالتقديرات تختلف بين الدول والأشخاص ولكن المتفق عليه أن صحة الناس تتشكل بفعل عوامل خارجية، فالصحة ليست فقط شيئاً يتلقاه أو يحصل عليه الناس من الأطباء أو المستشفيات فهي شيء يبدأ في الأسرة والمدارس والمجتمعات وأماكن العمل، وأيضاً في الحدائق ومن الهواء الذي يتنفسونه ومن وسائل النقل التي يستخدمونها.
فعلي سبيل المثال، الشخص الذي لم تتح له الفرصة للحصول على تعليم جيد أو لم يحصل على درجات جيدة في مراحل دراسته، فهو أقل فرصة للحصول على وظيفة جيدة وعرضة للمعاناة من الصحة السيئة عندما يتقدم في العمر وهكذا. وقد يكون سبب عدم حصول ذلك الشخص على درجات جيدة هو أن ظروفه المنزلية والمعيشية ودخله تدفعه للتغيب عن المدرسة، كما أن ارتفاع نسبة البطالة في المجتمع أو نقص وسائل النقل العام الموصلة للعمل قد تجعله يعاني للحصول على وظيفة وبالتالي ذلك يؤثر في صحته.
الأمر المتفق عليه، أن صحة الناس في كل بلد أمر أساسي لازدهار المجتمع واقتصاده، ولا يمكن يتحقق ذلك بدون توافر المقومات الأساسية للصحة. كما لا يمكن أن تكون الرعاية الصحية وحدها من يوفر الصحة للناس بدون الأخذ بالاعتبار أهمية المحددات الاجتماعية الأخرى للصحة وتأثيراتها سلباً أو إيجاباً.