د. أحمد الفراج
كان أكثر ما يثير رموز الصحوة هو التصدي لمخططاتهم، وكشف ألاعيبهم، وارتباطهم بالتنظيم الدولي للإخوان، وهو الارتباط، الذي جعلهم يحاولون محاربة كل ما له علاقة بالوطن، في سبيل تكريس المفهوم الأممي، وربما لن يصدق الجيل الجديد أن صراعات كبرى تمت، بين الصحويين وخصومهم، بخصوص السلام الملكي، ومع يقيني أن دراسة مرحلة الصحوة تحتاج إلى أكثر من مراجعات، إلا أن الحديث عن بعض إفرازاتها أمر مطلوب، فما حدث للمجتمع خلال أربعة عقود، يكاد لا يصدقه عقل، ولك أن تتخيل أن إحدى جامعاتنا ألغت محاضرة لأحد المثقفين، فقط لأن الصحوة صنّفته خصماً لها، أما عن التحريض ضد قرارات الدولة، بل والدعوات للمشاغبة، قبل وأثناء الفعاليات الوطنية، فهذا يحتاج لمجلدات، إذ لا بد من أن تقرأ الأجيال القادمة ما مرّت به هذه البلاد لأكثر من أربعة عقود.
عندما تعود بي الذاكرة لما كان يحدث، أجد صعوبة في تصديقه، لولا أنني كنت شاهداً على العصر، فرموز الصحوة، ومن منابرهم وعن طريق مؤلفاتهم، كانوا يتقمصون دور الدولة بقدر ما تسمح به الظروف، وبالتالي كانوا يُحدّدون ما يجب ولا يجب فعله، وهناك من الناس من ينظر لهم كرموز لا يجب المساس بها، فنقد أحدهم هو نقد للدين، أما من يعلن أقطاب الصحوة العداء له، فيتم تصنيفه، والويل لمن تغضب منه رموز الصحوة، فهم جهابذة في التصنيف والتشويه، ويعتمدون في ذلك على أتباع، لا يتورّعون عن استخدام كل سبل الإيذاء المعنوي، وتشك أحياناً أن هؤلاء الأتباع يستخدمون عقولهم، إذ لا يمانع أحدهم عن إعلان العداء لأقرب الناس إليه، في سبيل نصرة الرمز، الذي يعطي إشارة بدء الهجوم على الخصم المستهدف، ثم يتنعم بالطيبات، ويشاهد ويقرأ نتائج تحريضه بكل بهجة وسرور.
كانت إستراتيجية التنظيم في المملكة أكبر من إمكانيات القائمين عليه، سواء في فرعه الإخواني أو السروري أو البنّائي أو القطبي، وكان واضحاً أنه يعمل ضد البلد وتوجهاته، ومن أطرف تناقضات العمل الحركي الإخواني أنهم يهاجمون كل ما له علاقة بالمملكة، سواءً كان فعالية فنية وثقافية، أو ندوة، أو مؤتمر، أو قرار تنموي له علاقة بالمرأة، وفي ذات الوقت، تقرأ التمجيد لذات الفعاليات والقرارات، عندما تُقام في بلدان أخرى، على وجه التحديد قطر وتركيا، وإذا كان الرموز يعلمون أن هذا تناقض صارخ، إلا أن ما يستعصي على الفهم حتى اليوم، هو ترويج الأتباع لهذه التناقضات! ولا شك أن الصحوة نجحت في سياسة «التغييب» مع الجماهير، وهو ما يتماشى مع بروتوكولات التنظيم الدولي، أي السمع والطاعة والتنفيذ دون تساؤل، فمن يسأل ويتساءل يعتبر عاصياً.