فهد بن جليد
لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مقولة شهيرة: «أشبعوا الناس في بيوتهم»، وهي تجعلنا نتساءل عن نصيب الأسر السعودية المتعففة من مشاريع «إفطار الصائمين» التي تتسابق عليها الشركات والمؤسسات والمحسنون والمقتدرون في هذا الشهر الكريم بالتبرع لها بمبالغ مالية أكثر من الاحتياج. ولا شك أن لها فضلها وأجرها، ولكن لنتذكر أن موائد الطعام الرمضانية اليوم تذهب في الغالب إلى المقيمين الذين لديهم أعمال ووظائف، ولديهم دخل، بينما لا يصل للمواطن المتعفف أي شيء منها. هؤلاء يستحقون من المقتدرين في مجتمعهم «لفتة كريمة» في الإطار ذاته (إفطار صائم) عبر توفير احتياجات أسرهم من المواد الغذائية ونحوها مما يسد حاجتهم، أو حتى منحهم من المال ما يغنيهم في هذا الشهر، مع الحد من التبذير والإسراف في مشاريع إفطار صائم. وهذا لا يعني إطلاقًا الدعوة لإيقافها، بل تطوير وتجويد هذا العمل حتى يصل لمستحقيه بالفعل بالالتفات للجانب الآخر من المائدة، والبحث عمن يستحقون الجلوس عليها؟
لا يجب أن تبقى هذه المشاريع فردية، أو حتى تسند فقط إلى متطوعين في جمعيات وفِرق خيرية ونحوها دون وجود «خدمات لوجستية» مساندة لهم؛ فقد حان الوقت لإسناد هذه المشاريع إلى مؤسسات مستقلة، تعمل باحترافية أكثر، وتحافظ على فائض الأطعمة بالشكل الصحيح؛ لأنه يبدو أن التبذير يعود في الغالب لأمرين: إما أن المستفيدين يأخذون أكثر من حاجتهم على طريقة «اللي ببلاش ربحه بين»، ثم يتخلصون مما لا يحتاجون إليه، أو أن القائمين على بعض هذه المشاريع لا يختارون الفئة المستحقة بعناية، أو يقومون بإعداد وجبات أكثر من الاحتياج فيتخلصون من الفائض؛ لأنه يحتاج إلى جهد ونقل وتخزين وإعادة تدوير.. وهؤلاء في نهاية المطاف متطوعون، يبحثون عن الأجر والمثوبة بالمساهمة في التوزيع وقت الإفطار فقط، وليس لديهم جَلَد ولا وقت ولا إمكانات ولا خبرة في التعامل مع الوجبات الزائدة؛ وهو ما يجعل الحل في إسناد العمل إلى مؤسسات أغذية، لديها إمكانات كافية، واستعداد، ووقت، وطاقات بشرية للتعامل مع هذه الوجبات، والاستفادة منها، وإيصالها للمحتاجين، بإشراف الجهات المسؤولة عن هذه المشاريع.
قديمًا كان صاحب مشروع «إفطار صائم» يقف عليه في المسجد أو المخيم المخصص له بنفسه، ولا تجد أي إسراف أو تبذير؛ لأنه يقوم بالتصرف بالفائض، ونقله إلى مستحقيه، أو الحفاظ عليه.. أما اليوم فأخشى أن هناك جهات باتت تعتبر هذه المشاريع فرصة للتربح، ومصدر دخل من المحسنين بإدارة هذه المشاريع شكلاً فقط، مع التراخي في المضمون والهدف بعدم اختيار أجود الأطعمة وأنفعها حاجة للناس، وعدم المبالاة بمصيرها؟
وعلى دروب الخير نلتقي.