سهام القحطاني
لكل شعب بطله التاريخي الذي يرسم من خلاله قدوته وأحلامه وطموحه.. ومع تعدد وتنوع أبطال كل مرحلة يظل البطل التاريخي هو الأيقونة الثابتة التي ترجع لها الشعوب وقت الأزمات لدفع الهمم وتحفيزها.
فكلما احتدم صراع التمييز في أمريكا خرج «مارتن لوثر كينج» - رجل الدين والناشط الحقوقي - من قبره كرمز تاريخي ناضل من أجل إنهاء لعنة التمييز في أمريكا تحت شعار «الظلام لا بطرد الظلام بل النور هو من يطرد الظلام».
وكبطل آمن بحلم فكانت نهايته رصاصة انتقام من متطرف، لكن الحلم استمر؛ لتظل الحقيقة الثابتة أن الإنسان هو الإنسان رغم اختلاف لونه وفكره ودينه ولسانه.
المهاتما غاندي، البطل الذي أسس فكرة «الساتياغراها» التي تقوم على أن العنف لا يحقق للمظلوم حقه؛ بل مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني. وكانت هذه الفكرة القيادة التي حققت الاستقلال للهند، وتحول من خلالها غاندي لبطل تاريخي، ورمز للمقاومة السلمية عند الهنود، ونموذج لتلك السلمية عند بقية الشعوب.
تشي جيفارا: تحول جيفارا من بطل محلي كوبي إلى بطل تاريخي، كان - وما زال - مصدر إلهام لكثير من المناضلين ضد الظلم. ولعل أهم سبب حوّل جيفارا إلى بطل تاريخي هو تجاوز حدود بلاده بأفكاره النضالية التي تنتصر للمظلومين، وتحولت صورته إلى أيقونة لرمزية النضال في كل العالم.
جولدا مائير: قد نختلف نحن كعرب مع كون جولدا مائير ضمن فئة البطل التاريخي، لكن الحديث عن هذه المرأة يجب أن يخرج عن الإطار الأيديولوجي، والحكم على ما قدمته وفق معايير موضوعية.
لا شك أن جولدا مائير لم تكن مجرد امرأة، وبمعنى آخر كانت امرأة مختلفة ومتفردة.. وهذا الاختلاف والتفرد هما ما جعلاها أيقونة للبطل التاريخي في العالم بخلاف العرب.
فقد استطاعت هذه المرأة أن تُنشئ من العدم «دولة» هي اليوم من أقوى دول العالم «دولة إسرائيل»، ( ولو كان يقيننا أنها دولة مغتصبة معتدية ) امرأة آمنت بما شك فيه الجميع، ورسمت حلمًا استخف به الجميع، لكنها استطاعت نهاية الأمر أن تحول الشك إلى يقين، والحلم إلى واقع.. فاستحقت أن تكون بطلاً تاريخيًّا.
نيلسون مانديلا: إن عظمة الأفراد وتحولهم إلى رمزية تاريخية غالبًا ما تتعلق «بالظرفيات».. فمتى ما كانت الفرص والظروف متاحة لتستطيع أن تُصبح ذا شأن لا يعني ذلك أن تصبح رمزية تاريخية؛ ليس لأن القيمة ترتبط بالمعاناة بل لأن المعاناة هي التي تصنع الأثر والتأثير واكتشاف قدرة المرء على ما يملكه من جوانب استثنائية، فالاستثنائية هي أول شرط لصياغة تلك الرمزية.
هذه الاستثنائية هي التي صنعت الرمزية التاريخية لنيلسون مانديلا، الرجل الأسود الذي عاش في مجتمع يعج بالتمييز العرقي.
وليس كل بطل بطلاً تاريخيًّا بالضرورة؛ إنما التحول إلى بطل تاريخي يستدعي العديد من الشروط، منها:
تحوله إلى مصدر إلهام مستدام، يتجاوز الزمان والمكان، تُحوَّل أفكاره إلى نظرية فكرية ومعرفية، تثري التجربة الإنسانية وتطورها.
إنسانية أفكاره، وهو ما يعني خلوها من أي مقاصد أيديولوجية.
ووفق تلك الشروط فإن البطل التاريخي لا يقتصر على النضال في سبيل الحريات ومحاربة الظلم، بل يشمل أيضًا النضال في سبيل تطوير الإنسان، والإضافة إلى الحضارة وتحسينها.. وهذا المسار يجعل كل عالم أكسب الإنسانية إنجازًا للتحسين والإضافة بطلاً تاريخيًّا.
الرئيس جمال عبد الناصر: قد يختلف الكثير من العرب حول رمزيته كبطل تاريخي، والاختلاف على تلك الرمزية غالبًا ما يكون منشؤه دينيًّا بسبب موقف عبد الناصر من الفكر الإخواني في عصره، وما آمن به من مبادئ الاشتراكية.
لكن هذا الأمر لم يُعِق تلك الرمزية، بل شدّ من عروتها؛ وهو ما أضاف عليها طابع الشعبية التي تجاوزت الحدود المحلية؛ ليصبح جمال عبد الناصر أيقونة البطل الشعبي العربي الذي طرز اسمه الكثير من حكايات الآباء والأجداد.
كما استطاع عبدالناصر استحداث فكرة القومية وفكرنتها، وتحويلها إلى منهج سياسي.
الملك عبد العزيز آل سعود: لعل ما يميز الملك عبد العزيز كبطل تاريخي هو تلك القدرة المدهشة في تحويل المستحيل إلى واقع. ومن يدرس هذا البطل الاستثنائي سيستنتج أن بطولة هذا الرجل تنبع من «القدرة والذكاء والتخطيط وسحر التأثير».
هذه الصفات التي جعلت الملك عبدالعزيز من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في العصر الحديث؛ لأنه استطاع تأسيس دولة أصبحت اليوم رمانة الميزان في المنطقة، ولها صوتها التأثيري في القرار العالمي.