د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
«تذوقت ذات مَرّة قطعة حلوى مُرّة، في تاريخ 6-6-1436هـ، وسوف أحكي لكم عن مشاعري حين تذوقتها، ولا تسألوني عن سبب بكائي المتكرر».
بهذه الفاتحة بدأت وجد بنت عبدالله السحيباني كتيبها الرائع (قطعة الحلوى المرة)، لتأخذنا معها برفق وأناة في رحلة معاناتها مرض السكريّ.
بكت وجد كثيرًا، وحُقَّ لها أن تبكي؛ إذ «فجأة ودون سابق إنذار تصبح (وجد) على خمول واكتئاب وكثرة شرب الماء وانخفاض مفاجئ بالوزن؛ حيث نزل وزنها (6) كيلوجرامات في خلال أسبوعين!! يأتي يوم ميلادها وتأتيها أنواع الشوكلاتة والمفرحات ولا تشتهي منها شيئًا وتقول (ماما أحس بخمول). تعتقد أمها أنه نقص بعض الفيتامينات، وعندما اشتكت لابنة خالها:
وجد فيك سكر؟
جاوبت قائلة: «بسم الله عليّ».
بكت وجد كثيرًا، وبكيت معها كثيرًا وأنا أقرأ كلماتها المؤثرة وهي توجه كلمات فخر لأفراد أسرتها «الذين قام كل فرد منهم بطريقته الخاصة»، ورحلة التشخيص والبدء بالوخز بالإبر بما فيها من معاناة نفسية وجسدية، ثم حين «عدت للمنزل وتفاجأت بوجود خالاتي يستقبلنني بتصفيق حار، والتصفير من جهة، والكلمات الجميلة، وبدء تلقيبي بـ(سكّرة). وهنا وضعتُ في عقلي وقلبي (أستطيع)».
ستقرأ في هذا الكتيب الرائع عن (أول زيارة لطبيب السكر)، وعن (أزمة سكري) حين حاولت التمرد عليه، فإذا بالنوبة تداهمها فتنقلها أختها الكبرى نورة إلى المستشفى لتعالج بمحلول ملح وأونسلين، ولكنها تروي لنا كيف تعلمت من السكري أنه لا مستحيل، وأنه علمها كيف تكون أكثر فصاحة، وكيف تحتسب أجرها عند الله، وعلمها كيف تكون صحيّة وتمارس الرياضة، وعلمها الشجاعة أمام الحقنة، وأيقنت أن السكري جعلها أقوى وأن لها أهدافًا تحققها. وتفصل القول في أثر السكري في زيادة ثقتها، تقول «استطعت أن أثبت لمحيطي وقريبًا للعالم أن السكر ليس عائقًا للأحلام؛ بل محفّز»، وتقول «كما كانت كتابة (كتاب) حلمًا من صغري؛ ولكن ما كان لدي حكاية، وأصبح السكر حكايتي وحقق حلمي بعد الله».
تناقش بلطف وهم الناس عن علاقة مريض السكري بالأكل، تحت عنوان (لا، لا، لا تأكل. أنت مصاب بالسكر!!)، وترى «اعتقاد أن مريض السكر أو بالأصح صديق السكر لا يستطيع الأكل أو ممارسة الرياضة أو السفر والكثير من الأنشطة اعتقاد خاطئ، فأنا أفعلها مثل ما تفعلها أنت تمامًا». وبينت (كيف تحقنين نفسك كل يوم عددًا من المرات؟) وليس بيانها للكيفية العملية بل للتقبل النفسي للحقن.
لم تنس وجد في غمرة شرح تجربتها أن تقول (حمدًا لله على وطن عظيم) فتسطر آيات الشكر والعرفان لدولتها المملكة العربية السعودية التي تتكفل بعلاج الناس على أرضها، وتخص بشكرها المركز الذي (صنع بحب)، وهو مركز الخدمات الطبية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وبعد وصف كل معاناتها أدركت بآخره أنه خير، فكتبت (تمنيت لو كنت أعلم) «تمنيت لو كنت أعلم أنْ هناك خيرًا في كل ذرة في هذا العالم؛ لأن الله معنا».
يصعب أن أنقل ما زواه الكتيب من المشاعر الرقيقة الصادقة في عنوانات ذكية معبرة وأسلوب رائع، وأحسب أنه إن نشر في مصحاتنا سيجد إقبالاً من المهتمين بهذا وقبولاً لما ضمه من تجربة شخصية هي أدنى إلى العلاج النفسي لمن أصيب بالسكري.