الساعة الـ12
رفعتْ يدها سريعًا تتحسسّ المنبّه, صمت أخيرًا،
لاحظت تعابير وجهه, خرجتْ الآه مسجونة لممتْ بعضها ببطء حتى استقرّت, فانسلّت من غطائها بنعومة كانسلال الماء من بين الأصابع...
وقفت في منتصف الغرفة, تفكّر:
- الذهاب إلى عزلتها كعادتها تفرّغ ما انسجن بداخلها.
- تكمل ما تخمّر برأسها منذ مدّة!
بالكاد قبضتْ على المزلاج. التفتت بخوف إلى ذاك الوجه الذي سافر من حياتها وحلّق بعيدًا. انفتح جزءٌ من الباب لكنّ صريره يحدث صوتًا يرعبها. ارتعدتْ فرائصها حين سمعت حركته. وضعت يدها على قلبها. مررتْ وجهها إليه. لم يزل يغطّ في نوم عميق. تتساءل في نفسها «من أين أتى بكل هذه الراحة بعد أن فعل جريمته؟!».
أغلقته بكل طاقتها المُجْهَدة. مضت دون اتجاه. تذكّرتْ طفلتها في الغرفة والدمعُ ينهمر على وجنتيها. جلست نصف جلسة ممسكة ظهرها. أخذت هاتفه بعد أن أغلقت السماعة، فبدأت
أولاً:
- ماذا سمّاني فيه؟ أممممم النكد!!
ثانيًا:
همّت بصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي. قرأت معظمها، وهي تقول:
يا عيني يا عيني!
أغلقته. دخلت على الاستقرام: خواطر تافهة, صور مثلها. ومضت إلى الفيس بوك. تصفّحت بعض الردود. كلها من الجنس الناعم: أحسنت, أبدعت يا شاعر الغرام.. هنا أسرّت إلى نفسها، وقالت:
-كل هذه الغراميات ولم تقل لي يا.... أيها.... ولو بالخطأ «أنتِ أجمل النساء يا حياتي!». لماذا لا تقول لي هذه العبارة (أنا أعرف أن القمر فوق في السماء، أخبريني كيف هوى إلى هنا فازداد جمالاً إلى جماله). يا الله، هذه هي التي تخطئ في ذكر اسمها حين تناديني من فمك، وتلك الرائحة الكريهة...
تركت الفيس بوك. نبضات قلبها تزداد قوةً إلى ذاك الطائر الأزرق. تبحث عن تغريداته. لفت انتباهها مقطع من أغنية لصوت الأرض طلال:
الله يرد خطاك........
تنهّدت. وضعتْ يدها على فمِها. تأوّهت. تناثرت بعض الدماء. التقطت منديلاً، تمسح الدم الذي تغيّر لونه مع دمعها. حاولت النهوض بمساعدةِ سُلّم البيت الحديدي فسقطت....
أخرجت هاتفها بسرعة. وجدت رقم والدها فضغطته, في انتظار سماع ردّ والدِها. وبين صوت بكاء طفلتها وقتٌ يجعلها تُقْدِم على ما كانت تفكّر به, فصمت كلاهما فجأة, ودقات قلبها تتسارع بين قرارين، أحلاهما علقم!
عاودت الاتصال. اقتربت. لا صوت في الغرفة. تملّكها الرعب محوقلةً متسائلة:
- هل وضع يده الضخمة على فمها....... أعوذ بالله؟!
أتى صوت أبيها أخيرًا بعد أن خارت قواها:
- «خير ابنتي ! اشفيك؟ سلامات.. كلكم بخير؟.. حلا طيبة؟»
- خرست، ولم تنبس ببنت شفة.
- «يا........ يا بنتي تسمعيني.. ليه تبكين»؟!
- «ما في شيء».
- «كيف ما في شيء, وأنت تتصلين ذحين في هالوقت؟».
- اهدأ يا أبي، مجرّد حلمٍ مزعج، شفتك فيه؛ فانتابني الخوف, فقلت اطمئن عليك.
- الله يهديك يا بنتي... والله العظيم كنت باجيك على طول.. لا تخافين كلنا بخير الحمد لله.
أغلقت الهاتف، وإذا بصراخ المنبه يعلن قرب الأذان.
** **
- علي الزهراني (السعلي)