حينما تغدو مقيدًا لواقعك البائس، وأحلامك الذابلة، فإن الصمت يكسر البوح ويخرسه،
الواقع مليء بالغصص التي تشيب الأطفال،
وإنها الحرب يا ابن عباد،
الحرب التي ما كان لها أن تقوم لولا الانقلاب الذي فضل القفز إلى الكرسي بلا شرعية،
الآن مرت سنوات والحرب التي أكلت الأخضر واليابس تقتل كل شاعرية.
القطع الآدمية والرؤوس المتطايرة والقذائف التي تنهال على الأبرياء من الانقلابين تجعل الكل أسيرًا للواقع، وليس
ما نشاهده حورية تضفر شعرها أو جنيًا يعزف لصغار الجن كما في (إكليل على قبر مهمل)
بل ما نشاهده وما نعيشه أحداث حرب دامية ونزوحًا وأنها الحرب يا ابن عباد، بكل تفاصيلها الأليمة، حربًا تختلف عن الحروب التي أفزعت الأقدمين في حروبهم
بالسيف والرمح والمنجنيق،
إنها الحرب يا ابن عباد، حرب من زماننا هذا حروب الكتيواشا والهونات والأربيجي والعيارات والصواريخ.
استرجعت في مخيلتي هذه الحكاية التي تنسجم مع الواقع الذي نحن أسرى له، مع أن القاص لا يشاهد جنيًّا يعزف لصغار الجن كما في الحكاية، بل انقلابيين
وعملاء إيران يعبثون ويقتلون وينهبون،
وما أشبه هذه القصة بواقعنا ففي
الحكاية (إكليل على قبر مهمل يكتب اندرية جيد: كان يوجد رجل محبوب في قريته، لأنه كان يقص قصصًا وعندما يعود يسأله أهل قريته: ماذا رأيت اليوم؟
فيرد: رأيت في الغابة جنيًّا يعزف على الناي وترقص حوله حلقة من الجان الصغار. فيقولون له: احك لنا أيضًا، ماذا رأيت؟ فيقول: عندما وصلت شاطئ البحر رأيت ثلاث جنيات على حافة الأمواج يسرحن شعورهن الخضر بأمشاط من ذهب..
وكان الناس يحبونه لأنه يحكي لهم حكايات وذات صباح ترك القرية ككل يوم، لكنه عندما وصل شاطئ البحر رأى ثلاث جنيات على حافة الأمواج يسرحن شعورهن الخضر بأمشاط من ذهب. وبينما كان يتابع نزهته رأى عند وصوله الغابة جنيًّا يعزف على الناي لحلقة من الجان الصغار.. وعندما رجع في ذلك المساء إلى قريته وسُئل مثل كل الأمسيات أجاب لم أر شيئًا.
** **
- فتاح المقطري