في المسلسلات الخليجية وبعض المسلسلات العربية، يُصاب المتابع بتلوث بصري فظيع، فبعد رداءة القصة والحبكة الدرامية وما يتبعهما من مستلزمات ومتلازمات ذلك الإخفاق الذي يُسمى بالفن تجاوزًا، تأتيك أشكال نسائية غريبة عجيبة.
بالنسبة لي لا أحرص على متابعة هؤلاء الفنانات، وإن تابعت فسرعان ما أكتشف بعد لحظات من التأمل أن هذا الوحش الكاسر- الأنثوي مجازًا- خلف الشاشة سبق وأن رأيته، وهنا يحضر السؤال الأهم، متى رأيت هذا الكائن الفضائي؟ وإلى أي فصيلة نيرانية ينتمي؟
بعد السؤال وفحص كل ما أرشفته الذاكرة من صور ومواقف، أكتشف أن هذا المخلوق المعدل جراحيًا ما هو إلا الإصدار الأحدث للممثلة س ، والتي طورت نفسها فاختار لها جزارها -عفواً - جراحها التجميلي هذه الصورة الشيطانية الكئيبة الماردة لتكون هيئتها وسمتها خلف الشاشة نجمة درامية (دامية )حتى حين.
العجيب أن ثقافة الجمال التي أعرفها كأربعيني ذكر حر مستوطن فطري غير مطور،كانت ترتكز على القد المياس والأنف المستقيم والعين الدعجاء التي كان في طرفها حور، وكانت مشاعرنا عندما نسكبها على الورق قصيدة أو خاطرة تتكئ على أرشيف من الصور الجمالية الخيالية والمستحضرة من التراث الإنساني ومن داخل دوائرنا الحياتية الصغرى، وكانت هذه الصور ترحل معنا وتسكننا، نأنس بها ونعيشها قصصًا غرامية في الواقع أو الخيال وما أحلاه من خيال.
اليوم معايير الجمال الأنثوية في مأزق، فالأنوثة تتطلب عمليات تكميم لحذف صور من التعافي زادها الطعام والشراب بسطة في الاتجاه الأفقي فقط، والعيون نالت نَصِيبًا وافرًا من التغيير والذي كان يُراد منه أن يكون تغريبًا، بمعنى أن يكن كنساء بني الأصفر، ولكنهن أصبحن نسقًا خلقيًا متعديًا لا يشبه إلا المردة من شياطين الجن ، وهو ما يجعلنا نستعيذ بالله من شرور ما نرى، فنلوذ بالمعوذات وأعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وخاصة في الأسواق والمشافي وما في حكمهما من الأماكن العامة.
إن الجمال المعدل جراحيًا يشبه الأطعمة المعدلة وراثيًا، ففي بعض الدول المتقدّمة توضع لوحات في الأسواق تشير إلى أن هذا المنتج معدل وراثيًا وخصوصاً أن الدراسات تعزو بعض أنواع السرطانات لهذا النوع من الأطعمة، والذي يذكرك في سمته ورسمه بعمليات التجميل والتي تستهدف الشفاه والأرداف ومعالم الوجوه التي شُوّهت بمفاهيم خاطئة ليست من الجمال في شيء.
كان الشعراء والعشاق يشبّهون عشيقاتهن بالقمر في نوره ووهجه وسطوته، أما اليوم فدرب التبانة وباقي المجرات المكتشفة والمجهولة عاجزة عن تصدير أو تخيل صورة لقمر أو نجم أو شهاب حارق أو نيزك مشتعل يمكن إن يوظّف في صورة بلاغية،كتشبيه أو صيغة مبالغة أو استعارة إبداعية، لتصور هذا النوع الجديد من الطفرات الشكلية الغريبة على الإنسانية ومقاييسها الجمالية الصحيحة.
وعليه فإن الذائقة العربية وطفراتها المتلاحقة، وما تتضمنه من لغة وصيغ تفضيلية وأساليب إبداعية، وصور بلاغية وقبلها ذائقة سوية، مطالبة بإعادة إنتاج نفسها وسلخ جلدها القديم ليتواءم مع مقاييس الجمال الحالية التي ألغت الفطر السوية التي كانت تتحسس الجمال روحًا قبل الجسد وخُلقًا قبل الخلق، فجمال اليوم وصوره المستنفِرة والمستنفَرة تؤكد أن ذائقة بعض نسائنا انحدرت إلى مستويات من التفاهة لا يقرها عقل أو شرع أو سلّم جمال فطري رباني، وهنا قد نحتاج تدخلاً ثقافيًّا فكريًا يوقف هذا التدخل الجراحي الذي غير مفاهيم الجمال وجعله أسيرًا لمفاهيم السوق وقواعده الأزلية في العرض والطلب والتي أصبحت وللأسف على حساب الجمال الرباني الذي أفسده مبضع جراح فاسد، وقبلها ثقافة جمالية دخيلة على السواء الإنساني وفطرته السليمة.
** **
- علي المطوع