باستثناء بعض الدول يكاد العالم أجمع يعتبر الأول من مايو من كل عام يوماً «للعمال». وبغض النظر عن الذكرى الأليمة لهذا اليوم من عام 1886، حيث فتحت الشرطة الأمريكية النار على العمال المضربين في شيكاغو، إلا أن هذا الحدث اجتاح العديد من المدن الأمريكية والكندية والأوروبية فيما بعد. كما أن المطلب الأساسي في ذلك الإضراب كان تقسيم يوم العمل إلى؛ 8 ساعات عمل؛ و8 ساعات نوم؛ و8 ساعات حياة حرة للعامل وعائلته. وقد تحقق هذا المطلب عبر النضالات إلى حق للشغيلة جميعاً، سواء كانوا عمالاً أو موظفين أو حرفيين ...إلخ. وقد تم تشريع هذا اليوم كإجازة رسمية تحتفل به معظم شعوب العالم.
مشهد الأول من مايو في أوروبا هذا العام تميز بأفواج من الستر الصفراء، حتى لتحسبن أن الأرض أصبحت صفراء!. ولكن المطالب لا تقتصر هذه المرة على تحسين معيشة الشغيلة، إنما الإطاحة بمصاصي الدماء الذين يحكمون أوروبا، ومحاكمة الفاسدين وإعادة إنتاج مؤسسات الدولة بمشاركة الغالبية المسحوقة! وهذا يعني أن الذي يطالب هذه المرّة ليس العامل الصناعي وحسب، بل العامل والموظف والحرفي والمتقاعد والعسكري... إلخ، أي فئات المجتمع كله! والطامة الكبرى أن هذه المطالب انتقلت من الدول الصناعية إلى الدول النامية أو العكس، أي أن الشعوب كلها تعلن فقدان الثقة بالحكومات الرأسمالية وإعلامها الدسيس وتوابعها، وسقطت ورقة التوت.
إذا كان الأول من مايو قد أثار كل هذه العاصفة، فما الذي سيثيره التاسع من مايو يوم الانتصار على النازية؟ يوم أن فقدت الشغيلة المظلومة أكثر من خمسين مليون شهيد، وعشرات الملايين من المعاقين والجرحى والأطفال المشرّدين؟ وبالرغم من اندحارها المخزي، فرّخت الوحشية النازية الرأسمالية صهيونيات يهودية؛ وأخرى مسيحية؛ وثالثة إسلامية؛ وربما نتفاجأ مستقبلاً بصهيونيات بوذية وهندوسية ونقشبندية وكردية ...إلخ.
الغريب في الأمر أن الرأسمال كان يخاف من فشل الإعلام المزيف بالضحك على عقول الناس، أما الآن يعلنها وقاحة: من ليس معي ليس ضدي فقط، إنما يجب أن يموت؛ وبيد أخيه المغرر به!
** **
- د. عادل العلي