علي الخزيم
إذا تحدثت عن فكرة لا تعجبه - كمخيمات تفطير العمال - لا يجادلك بها ولا يماري ربما لقناعته المسبقة بصحة رأيك، فينقلك مباشرة لموضوع غيره يحاجك به؛ على اعتبار أنه يخدم منهجه لتسفيه فكرتك الأولى والانتصار لفكرته الثانية، والبعد بالحوار عن صلب الموضوع الذي لا يملك رداً شافياً بشأنه، لكنه على أي حال لن يتنازل لك أو لغيرك عما يضمره تجاه هذا الشأن وإن لم يؤمن به تماماً فهو مشروع يعد ضمن أفكار مدرسته ومشايخه، وفي قرارة نفسه حين يخلو بفكره ويتمعن يجد أنك على حق فيما تؤكده من الهدر المادي البيِّن على مخيمات وموائد تفطير العمالة خلال رمضان المبارك، وحين يتحدث معك أحد عن موضوع معين فهو لا يعني إغفال ما ترمي إليه من موضوعات أخرى تلتفت لها أنت، فأنا لدي فكرة ورأي وأنت كذلك؛ فإما ان تتقبل الحوار والرأي برجاحة عقل؛ أو لا بد أن تدرك أنك لا تصادر عقول الناس وتُكَيِّفها لمنهجك وتُسفِّه أي توجه يخالفك.
الشواهد تؤكد أن الجدوى من مخيمات التفطير لدعوة اتباع ديانات ونِحَل إلى الإسلام الصحيح ضعيفة في ظل ما يشاهد وتعبر عنه العمالة ذاتها بأنه لا يمكن أن تقنعها بلقمة أن تترك دينها أو عباداتها التي نشأت عليها، لكنهم لن يوفروا أي وجبة تفطير خلال رمضان بل إنهم يتسابقون لحمل أطعمة وفواكه وألبان لوجبات لاحقة لهم، إذاً هو استغلال واستثمار لفرصة قُدمت لهم بالمجان، يأكلون طعامك ويستهترون بمبادئك ويحتقرون طيبتك، وطريقتك العفوية بتقديم السفرة لهم وإشرافك عليها يزيدهم بعداً عنك، فهم فئة دونية رديئة اختيرت من آخر طبقات تلك الشعوب فكيف تريدهم أن يرتقوا بحسهم إلى ما ترمي إليه، فأنت تزرع في سبخ.
القصص تتواتر وتروى عن أسر متعففة فقيرة تمنعها عزة النفس عن السؤال، وتتطوع بنات الوطن وفتيانها للبحث عنهم بطرق مرخصة مشروعة لا لبس فيها ويقدمون لهم تبرعات المحسنين، فأين أصحاب تفطير العمالة عن هؤلاء وأمثالهم من الأيتام والأرامل والعجزة، نعم الدولة لم تقصر ولكنها قد لا تعلم عن فئة المتعففين فالدور علينا لنشملهم بالمعونات وتحويل مؤشر إفطار العمالة لمنفعتهم ومساعدتهم.
المبالغ المصروفة على إفطار العمال تعد بمئات الملايين بالمدن فلو صرفت بمسارات أعمق وأفضل بإشراف نخب متخصصة تستقبلها وتحصيها وتستثمرها بقنوات نافعة للوطن والمواطن لكان هو الأجدر والأصلح بدلاً من استجداء العمالة لتناول ما نجود به من أطايب الطعام والفواكه والعصائر، حتى إنه ببعض الأحياء يظهر التنافس بين أرباب الأسر وبين القائمين على بعض المساجد لتقديم الأفضل وكأننا بميدان التباري والتسابق لإرضاء عمال لم يتضوروا جوعاً أحد عشر شهراً ويدخرون دخلهم الجيد ببلادنا ويحولونه لبلادهم بالمليارات، وإغفال الفئات الوطنية المحتاجة بحجة أنهم مسلمون ولا ضرورة لتأليف قلوبهم.
قنوات وجداول العطاء والخير لا تقتصر على أمر بعينه ولا فئة محددة، ولا تنحصر بشهر واحد بالسنة، أعيدوا النظر وتأملوا حولكم ستجدون العجب!