هالة الناصر
لا يستطيع أحد إنكار حجم الضجة التي أحدثها الشيخ عائض القرني في أولى أيام شهر رمضان بعدما ظهر على شاشة التلفاز وهو يعتذر عمَّا وصفه بأنه «ممارسات مرحلة الصحوة» التي كان هو أحد رموزها، معبّراً عن ندمه على السير في هذا الاتجاه، ومؤكداً عودته إلى طريق الصواب والتزام منهج الإسلام الوسطي، الملاحظ أن تصريحات القرني أحدثت انقساماً في الآراء، بين من يرى اعتذاره مستحق القبول وأنه موقف شجاع يعبّر عن صدق الرجل وصراحته واتساقه مع ذاته، وبين آخرين تساءلوا حول توقيت هذا الاعتذار ودوافعه وحقيقته وصدقه بخلاف العديد من الأسئلة الأخرى التي دارت حول الرجل ومواقفه السابقة، ولا أخفي انحيازي لموقف الطرف الأول، الذي يقدِّر شجاعة القرني وصراحته ويثني على اعتذاره ويرى وجوب قبوله، ولكن لماذا يجب أن نقبل اعتذار القرني بعد كل هذه السنوات؟
جزء من هذا الوجوب يرتبط بشخص القرني ذاته، الذي تغيَّرت نبرته منذ عدة سنوات وباتت أكثر تسامحاً ورفقاً في التعامل مع العديد من القضايا، حتى بات الكثيرون يجدون صعوبة في حصره في خانة المتشدّدين، وهو ما يعني أن موقف الرجل لم يكن وليد اللحظة أو له دوافع آنية، بل هو تطور فكري طبيعي عاشه الرجل وأفرز في النهاية هذا الاعتذار الصادق. الشق الثاني يرتبط بحالة التطور الفكري العام الذي تعيشه المملكة حالياً على عدة مستويات في مختلف المجالات، حيث يعد قبول اعتذار القرني في هذا التوقيت، مدعاة لتشجيع غيره على أن يحذوا حذوه ويتحلّوا بالشجاعة المطلوبة للاعتراف بأخطاء الماضي وبدء مرحلة جديدة من الفكر المستنير القادر على استيعاب الجميع ولم الشمل، لاستكمال مسيرة البناء، ولا حرج في القول بأن القرني ليس معصوماً، وليس رجلاً منزهاً عن الخطأ، للرجل أخطاء اعترف هو ببعضها في مواقف سابقة، ولكن لا يجب أن ننظر إلى اعتذاره من منظار هذه الأخطاء التي قد لا ينجو منها أي إنسان لو كان في مكانه، بل يجب أن نتحلَّى بالحياد وبالنظرة الشمولية عندما نستمع إلى كلماته وإلى اعتذاره، وأن نفترض فيها حسن النية، وسواء قبل الجميع هذا الاعتذار أو ظل هناك من يرفضه -وهو الحاصل في الغالب بطبيعة الحال- فإن مجرد صدور التصريح وإحداثه لهذا الجدل الكبير هو بمثابة إلقاء لحجر في المياه الراكدة حول ما دمره تشدد الصحوة من هدر لمقدرات المجتمع، على الإعلاميين الذين شيطنتهم الصحوة ورسمتهم للمجتمع بصورة العلمانيين أن يتعاونوا مع القرني وغيره من التائبين من التشدد خصوصاً أنهم الذين ظهرت مصداقية طرحهم حيال جميع القضايا التي اختلفوا فيها مع متشددي الصحوة، اقبلوا اعتذار الرجل وتعاونوا معه من أجل النجاة بقارب الوطن، مثلما أنتم دائماً.