العقيد م. محمد بن فراج الشهري
امتلأت السجون في تركيا في شرقها وغربها, شمالها وجنوبها.. النظام التركي بقيادة «أوردوغان» أعاد للأذهان مسيرة أتاتورك.. القتل والسجن والإبعاد, والتدهور الاقتصادي, وتدهور السياحة, والهروب الجماعي للمواطنين الأتراك إلى خارج البلاد, واستفحال البطالة.. هذا هو حال تركيا اليوم, لا أمن ولا أمان.. في ظل حكم أوردوغان وسياسته المتقلبة ورعايته للإرهاب والإرهابيين من الدواعش إلى الإخوان.. وتصفيته للمعارضين, وإلقاء التهم جزاف, وكتم الإعلام والإعلاميين مثل ما حصل مع موسى كارت, وهاكان كارا, وغواري اوز, وهؤلاء كتاب في صحيفة «جمهوريت»، ومتهمون بانتمائهم لتنظيم فتح الله غولن. وهم ليس لهم علاقة بذلك التنظيم ولكن من لا يتماشى مع أسلوب اوردوغان وخططه يصفيه تحت هذا البند، ومثال على ذلك عثمان كافالا مسجون منذ 600 يوم دون أن توجه له أي اتهامات, وارين اردم مسجون منذ 350 يوماً وهو الشخص الذي أفنى حياته في مكافحة تنظيم غولن, والآن مسجون بتهمة الانتماء إليه, وعائلته في حالة يرثى لها.
أما الوضع الاقتصادي المتدهور فحدث ولا حرج، كذلك انتشار ظاهرة اغتصاب الأطفال, واختطافهم واستغلالهم في ترويج المخدرات, واتهام الشعب للقضاة بأنهم أصبحوا عبيدًا تحت إمرة النظام.. الذي قضى على استقلالية القضاء وتدمير الأخلاق والقيم, وملاحقة المعارضين خصوصًا الصحفيين وزجهم في السجون بتهمة الانتماء لفتح الله غُولن.. هذه بعض أساليب أتاتورك الجديد.. والمعروف أن الأتراك والفرس وجهان لعملة واحدة في الذهنية العربية, فكلاهما يحملان مشروعًا توسعيًا في أعماق الجغرافيا العربية, ويترسخان فكريًا على ثقافة العقدة التاريخية تجاه العرب وثقافتهم التي تتجمل بأبجدية القرآن الكريم, وتتزين بتاريخية النبوة, وتتفاخر بمركزية الدين الإسلامي, وهذا ما يفتقده الفرس والأتراك, وتشكل خلاله عقدتهم التاريخية مع العنصر العربي وهويته التاريخية، كما لا ننسى الإشارة إلى الإعلام الإخواني المارق الذي لا يزال يلمع الأتراك وتاريخهم في المنطقة, بل ويتغاضى عن جرائمهم ومكائدهم في حق العرب وهويتهم التاريخية, بل ويختزل أدواته الإعلامية وأذرعته الحزبية في العواصم العربية كقوة ناعمة ترويجية لأحلام الأتراك ومخططاتهم في المنطقة, ولعل شبكة «قناة الجزيرة» ومنصاتها الإعلامية في الدوحة قد اقترفت آثامًا جسيمة في حق العرب وهويتهم التاريخية عندما اصطفت صاغرة ضد الخليجيين والعرب, وروجت لأوهام الترك في المنطقة, وهاهي اليوم تخسر رهانها في المنطقة وتفشل بكل المقاييس الإعلامية.. فأين أبواقها التي تعمل ليل نهار لإشعال نار الفتنة في قضية خاشقجي؟ أين اختفت اليوم من قضية مقتل (زكي مبارك) التي هي دلالة على الحالة المتردية التي وصل إليها الوضع في تركيا.. بدأت الرواية التي تريدنا الحكومة التركية أن نصدقها ضعيفة التركيب, خيالية السيناريو تشير دون أدنى شك إلى وصول النظام التركي إلى حالة غير مقبولة لدى المجتمع الدولي, على عكس ما كان يبشر به حزب العدالة والتنمية من انه سوف يعمد إلى تأسيس دولة القانون، لنكتشف اليوم أن هذه الدولة كبيت العنكبوت لا تلبث أن تصبح في غياهب النسيان لتحل محلها الدولة الأمنية, دولة الرجل الواحد.. حيث تحولت إلى دولة الوسواس القهري الذي يجذبها نحو أفعال تبتعد عن المنطق وتتجاوز المصالح الوطنية لكي تبقى رهينة خيالات شخص أصبح يشعر بأن الجميع يعمل ضده.
هذا النموذج الذي يبدو الآن في تركيا ليس بدعًا في التاريخ، وإنما تكرر في شخصيات معروفة عندما يصبح هوس السلطة بعيدًا عن كل منطق أو تحليل متماسك.. نعم هذا هو حال تركيا اليوم في ظل حكم أتاتورك الجديد «أوردوغان» وزمرته، وسيكون القادم أسوأ طالما استمر هذا النهج العنجهي في تسلطه وتفرده.