سلمان بن محمد العُمري
الإنسان مطالب بأن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة والفائدة، وإن استويا في المصلحة فالأولى أن يميل عن الكلام لأنه قد يفضي إلى حرام أو مكروه، ومما يؤثر عن ابن عباس رضي الله عنه قوله: «خَمْسًا لَهُنَّ أَحْسَنُ مِنَ الدُّهْمِ الْمُوقَفَةِ: «أي الخيل التي في قوائمها بياض»، لا تَكَلَّمْ فِيمَا لا يَعْنِيكَ، فَإِنَّهُ فَضْلٌ، وَلا آمَنُ عَلَيْكَ الْوِزْرَ، وَلا تَتَكَلَّمْ فِيمَا يَعْنِيكَ حَتَّى تَجِدَ لَهُ مَوْضِعًا، فَإِنَّهُ رُبَّ مُتَكَلِّمٍ فِي أَمْرٍ يَعْنِيهِ، قَدْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَعَنَتَ، وَلا تُمَارِ حَلِيمًا وَلا سَفِيهًا فَإِنَّ الْحَلِيمَ يُقْلِيكَ، وَإِنَّ السَّفِيهَ يُؤْذِيكَ، وَاذْكُرْ أَخَاكَ إِذَا تَغَيَّبَ عَنْكَ مِمَّا تُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ بِهِ، وَاعْفِهِ عَمَّا تُحِبُّ أَنْ يُعْفِيكَ مِنْهُ، وَاعْمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ يَرَى أَنَّهُ مُجَازَى بِالإِحْسَانِ، مَأْخُوذٌ بِالإِجْرَامِ».
ما أجملها من وصية من هذا الصحابي الجليل صالحة لكل زمان ومكان، ومضمونها أن نمسك اللسان عن الخوض فيما لا يحل وألا يتكلم إلا فيما أحله الله، ومن يستطيع أن يملك زمام لسانه إلا ما ندر لا سيما وأن للسان آفات كثيرة وأقبحها وأشنعها الكذب بلا شك الذي هو من صفات المنافقين، كما قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاث من كن فيه كان منافقاً، من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».
والمسلم العاقل من يزن كلامه قبل أن ينطق به فإن كان خيراً تحدث، وإن كان شراً توقف وأمسك وسلم، والكلمة طيبة ينال بها المسلم الأجر الرفيع والمنزلة العالية ورضوان الله -عز وجل-، يقول -صلى الله عليه وسلم-: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه».
إن من الآفات والبلاء وعظيم الداء في مجتمعاتنا الغيبة والنميمة والوشاية وهتك أعراض الناس والتطاول عليهم وأذاهم، خاصة في غيابهم قال -صلى الله عليه وسلم-: «شر الناس ذو الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، والمغتاب والنمام والواشي على اختلاف مسمياتهم وصفاتهم هم عون للشياطين على إخوانهم، ويوظفهم الشيطان للفرقة بين الأقرباء والأصدقاء والجيران، وكل ذوي العلاقة، وقد يئس الشياطين من أن يعبده الناس ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم، ويزين الشيطان لضعاف النفوس الغيبة والنميمة والوشاية والكذب فيتطاولون في الحديث عن الناس.
والوشاية والنميمة تلفظها الأنفس النزيهة والفطرة السليمة، وتمقتها الطباع البشرية النظيفة، والإسلام كما أسلفت حرص على تهذيب اللسان وسائر الجوارح، وحذر من آفات اللسان والظلم بأنواعه كافة، ولاسيما الظلم المتعدي على الآخرين الذي فيه اعتداء على النفس والعرض والعقل والمال وقبلها الدين، والظلم ظلمات يوم القيامة، وقد يمهل الله للظالم ويملي له لعله يستوعب ويتوب ويرجع إلى الحق ويؤوب، وإن تمادى في غيه وظلمه فإن الله تعالى سيريه ما لا يحمده في الدنيا والآخرة «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».
فإلى من يتقرب؟ إلى ذوي الجاه والمال والمسؤولية بغيبة ونميمة وبهتان وكذب على الآخرين، فلن تنفعك شفاعة، ولن تجديك صداقة، ولا يحميك من عذاب الله وعقابه نصير، فبئست النهاية والمصير، والله تعالى يقول: «ألا لعنة الله على الظالمين».
وإذا كان نصر الظالم والمظلوم مطلب لازم وأمر جازم كما قيل في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» فقالوا: يا رسول الله ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ فقال تحجزه عن الظلم، فإن ذلك نصره».
نعم ينبه الظالم ويوجه ويرشد ويخوّف بالله -عز وجل-، فكيف بمن يعين الظالم بالوشاية الكاذبة والنميمة والغيبة، والتقول على الناس بما ليس فيهم من أجل التقرب والتكسب، ومن ثم إلحاق الأذى بالمتحدث عنه في ظل ضعف في الدين، وانعدام الحياء، وقلة الكرامة، وما انتشرت مثل هذه المظالم في مجتمع إلا أفسدته ودمرته وهي من معاول الإفساد والهلكة والفناء. نسأل الله العافية.