عبدالعزيز السماري
الالتزام بالمواعيد والانضباط علامة ظاهرة على تقدّم المجتمعات أو تأخرها عن الركب، وقد تكون في بعض الدول مؤشراً على تطور الإنسان، ويظهر ذلك في تقديره للوقت وساعات العمل، وقد تتعرَّف على موقع المجتمع في سلم الرقي العالمي من خلال مراقبة دقة الالتزام بالمواعيد، وقد كان بالفعل لمفهوم «الانضباط الزمني» كمجال اهتمام خاص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وقد توصل علماء إلى أن مراعاة الوقت بدقة هو نتيجة للثورة الصناعية الأوروبية، وأنه لا يمكن أن تكون الرأسمالية الصناعية ولا إنشاء الدولة الحديثة ممكنة بدون فرض أشكال متزامنة من الزمن وانضباط العمل في أوقات محددة..
لذلك في علوم الإنسان وحضارته، يدل دقة احترام الوقت على مدى تطور تلك البلاد وتخلفها في مجال الصناعة والتحديث، فعلى سبيل المثال في المكسيك، يعتبر التأخير لمدة نصف ساعة أمراً مقبولاً تمامًا، بينما أولئك الذين يحرصون على الالتزام بالأوقات المحددة لا يحتاجون إلى الذعر، لأن اليابان وألمانيا يعتبران الالتزام بالمواعيد شرطاً أساسياً لكل اتفاق على اجتماع، حتى أن الأخير يتطلب منك أن تكون مبكراً، وهو ما يكشف عنه رسم بياني جديد..
بينما الناس في كوريا الجنوبية ينظرون إلى التأخير عن الموعد كدليل على عدم الاحترام، وفي ماليزيا يعني التأخير خمس دقائق ساعة، ولا يتطلب اعتذارًا، بينما في الصين، لا يُعتبر المرء متأخراً إذا وصلت في غضون 10 دقائق من الوقت المتفق عليه، ولكن في اليابان، إذا وصل القطار بعد أكثر من دقيقة واحدة من الموعد المحدد له، فسيُعتبر متأخرًا، وفي نيجيريا إذا كان من المقرر عقد اجتماع في الساعة 1 بعد الظهر، فهذا يعني أن الاجتماع سيبدأ في أي وقت بين الساعة 1 مساءً و2 ظهرًا.
عند تحديد موعد اجتماعي في البرازيل، لا يشترط أن تكون هناك في الوقت المحدد ما لم يتم استخدام عبارة «موعد إنجليزي»، وهو يعني أنه يجب عليك الالتزام بالموعد المحدد، وفي غانا، تعتبر معظم أوقات الاجتماعات مرنة، حتى لو تم تحديد وقت محدد، وقد يعني في كثير من الأحيان أن الموعد في أي وقت خلال ذلك اليوم، وبالمثل، لا يُنظر إلى الالتزام بالمواعيد كفضيلة في الهند، وفي اليونان لا يعتبر الالتزام بالمواعيد أمرًا مهمًا، ولكن لا يزال من المتوقع أن يحضر الأجانب في الوقت المحدد للاجتماعات، وفي كازاخستان يعتبر الوصول في وقت متأخر عن الموعد أمراً مقبولاًَ، ولو كان ذلك في حفل زفافه.
بينما في بلاد العرب يبدو الأمر مختلفاً، وفي غاية الدهاء، إذ لا يوجد اتفاق على عدم الالتزام بالحضور في الموعد، ولكن تبدو الأمور من مقدماتها، فإذا كان الاتفاق على موعد مدعوم بنظام «جرينتش» كما يقولون سيكون الحضور في الموعد تماماً، وعادة لا يُقبل التأخير في هذا النمط من الاجتماعات، لكن إذا اتفقوا على اجتماع ما أو موعد، وختموها «بإن شاء الله»، فاعلم أن الأمر لم يعد في حكم الإنسان، وإنما تجاوزه إلى أن يكون في حكم الله عزَّ وجلَّ ومشيئته، وإذا لم يحضر في الموعد قال العربي كلمته الشهيرة «قدَّر الله وما شاء فعل»، وبالتالي ينجو من مخالفته، وعدم حضوره، باللجوء إلى رب العالمين، وهو أمر يميز هذه الأمة عن غيرها من الأمم ...