د. فوزية البكر
يرتبط شهر رمضان الكريم إضافة إلى شعائره الدينية المميزة باندفاع الناس إلى متابعة الكثير من المسلسلات الدرامية المتنوعة في محطات كثيرة فترى الناس تتبادل المعلومات حول هذه الحلقة وتلك وعما يستحق المتابعة وأوقات العرض المختلفة وتعطي لبعضها تقديرات مرتفعة أو منخفضة حسب اتجاه كل شخص ودرجة حساسية ذائقته الفنية، كما تجد العائلة كلها خاصة لحظة الإفطار وقد تجمعت حول التلفاز في انتظار ما يقدمه مبدعو هذا الشهر وعلى رأسهم فناننا الوطني ناصر القصبي.
وتشدنا الدراما بشكل عام كبشر لأنها تحقق لنا العديد من الحاجات بينها المعرفية للتعرف على أزمان وأحداث سابقة أو التعرف على ثقافات وطرق معيشية لشعوب مختلفة إضافة إلى أشباعها لحاجاتنا النفسية من حيث الاستمتاع والإثارة أو إشباع بعض الحاجات الاجتماعية بالاشتراك مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء في اهتمامات مشتركة واجتماعات عائلية رمضانية تخلد ذكريات دافئة تساعد على تحقيق الشعور بالارتباط الأسري والاجتماعي، إضافة إلى إشباع بعض القيم الجمالية من مشاهدة مناظر طبيعية أو ملابس أو أثاث أو لوحات الخ.
وتضج الصحف ووسائل الإعلان المختلفة في العادة خلال شهر شعبان وطوال رمضان للإعلان عن برامجها ومسلسلاتها فتنشر صور أبطالها وتلمح لطبيعة المسلسلات التاريخية أو السياسية أو الاجتماعية آملة في جذب أكبر عدد من المشاهدين بما يرفع سوق الإعلان ويحقق الأرباح.
وفي ظني أن وسائلنا الإعلامية لم تدرك حتى الآن حجم السوق والطلب في مجال الدراما الرمضانية، إما لنقص في الكفاءات القابلة لإعداد مسلسلات رمضان أو لعدم تشجيع المؤسسات المحلية أو محدودية قدرتها على فهم الفرص الاقتصادية والثقافية والتراثية والدعائية العظيمة في هذه المسلسلات.
لكن يبدو أن رؤية 2030 التي أتت لتعديل مسار كل شيء في حياتنا ليستقيم يما يتطلبه اقتصاد وحاجات وتطلعات عالم اليوم ستتمكن أيضًا من الدفع بالدراما المحلية لتصبح منافسة في السوق ليس الخليجية فقط، كما هي الآن بل على مستوى العالم العربي كله فها هي المعاهد الفنية أخيراً وقد سمح لها بالافتتاح وها هي الورش الفنية والتدريبية على قدم وساق بواسطة كافة الأجهزة ذات العلاقة مثل جمعية الثقافة والفنون ووزارة الإعلام ووزارة الثقافة التي وضعت ضمن استراتيجيتها الجديدة التي تم الإعلان عنها قبل فترة العناية بالعروض والأفلام المرئية والموسيقى بما يعكس التراث المحلي ويؤكد الاعتزاز بالتاريخ الوطني والعربي والإسلامي وبما ينعكس إيجابًا لتعزيز الهوية الوطنية للمواطن السعودي.
ستخلق بعض الدراما المعروضة الكثير من الجدل، كما العادة لكن هذا هو ما نبحث عنه لتحريك الراكد في فضائنا الثقافي العام ولغرض تقديم طرح (مشاغب) يثير التفكير ويطرح البدائل ويلهم المشاهدين لتصور عوالم لم يعرفوها وللبدء في تقبل وجهات نظر لم يتصورا يومًا أنها ستكون معروضة على قنوات تلفزيوننا المحلي المحايد.
أدعوكم جميعًا قرائي الأعزاء للاستمتاع والاحتفاء بالمختلف أولاً والضحك مع، لا (على) الكوميدي حتى لو كان (سامجًا) كما حدث في رمضانات سابقة ولن يخلو عمل درامي من قصة مثيرة ذات أهداف محددة لكنها أيضًا لن تغير العالم ولن تهدم الأخلاق على رؤوس الأهالي فما يشاهده السعوديون في اليوتيوب هو أكثر (درامية ووقاحة وقلة أدب أحيانًا) مما يعرض عبر الدراما الرمضانية فاهدأوا قليلاً بعيدًا عن التنظير والتجريح وتمثلوا قيم الشهر الكريم في التأمل والتبصر وتقريب الحكمة والكلمة الحسنة والسلوك الهادئ.
دراما رمضانية ممتعة للجميع وكل عام ونحن وهذا الوطن الشامخ بأمان واستقرار وعافية.