خالد بن حمد المالك
أُصيب الرئيس التركي أردوغان بمقتل عندما خسر الانتخابات في إسطنبول؛ إذ إن خسارته في المدن الرئيسة، وبينها العاصمة السياسية أنقرة، لم تكن موجعة كما هي خسارته في العاصمة الاقتصادية إسطنبول، التي تعد معقل حزب الرئيس (العدالة والتنمية)، التي ظل تاريخيًّا يحتفظ بصوتها دون أن تتمكن المعارضة من استقطاب الناخبين لمنافسته وحزبه عليها.
* *
غير أن هذا حدث؛ فجُن جنون الرئيس، واستصعب عليه أن يسلّم أو يستسلم لإرادة الناخبين؛ فالتزم الصمت أولاً، ثم بدأت آلته الإعلامية فيما بعد تشكك في صحة ونزاهة الانتخابات، وتطوَّر الأمر بعد ذلك إلى صدور قرار بإعادة فرز أصوات الناخبين ورقيًّا؛ لتكون الطامة الكبرى إثر ذلك حين تم الإعلان عن إلغاء الانتخابات، وإعادتها من جديد.
* *
وللتذكير، فإن الانتخابات تمت والرئيس أردوغان هو من يسيطر على البلاد بوصفه رئيسًا للبلاد؛ وبالتالي فإن الانتخابات جرت تحت أنظاره وسلطته، وربما تمت محاولات منه لتأخذ المنحى الذي يريده، لولا أن الناخبين الذين شكلوا الأغلبية صوَّتوا للمعارضة، مما أسقط في يديه؛ فلجأ إلى استصدار قرار بإعادة الانتخابات من جديد معتمدًا في ذلك على تفاهماته مع اللجنة العليا للانتخابات، التي يبدو أنها مسيسة لصالح حزب الرئيس؛ فأعلنت عن إعادة الانتخابات.
* *
هذه الدكتاتورية التي يتعامل بها الرئيس التركي، ويهمش بها صوت الشعب المعارض في كل قرار يصدر عنه، أو السياسة التي يتعامل بها مع المؤسسات التي لا تدين له بالولاء، هي نموذج صارخ لما آل إليه الوضع في تركيا، وجعلها تمرُّ بأزمات اقتصادية ومالية من حين لآخر، وتتخبط في علاقاتها السياسية مع الدول الأخرى، وبينها دور الجوار.
* *
صحيح أن الرئيس التركي يحاول أن يستقوي على معارضيه من الشعب، وقد ملأ السجون بكل الأحرار الأتراك المعارضين، وأنه لا يتوانى في التدخل في الشؤون الداخلية للدول، قريبها أو بعيدها من حدود بلاده، وأنه صاحب مغامرات في التعاطي مع الأحداث، دون روية، أو حكمة، أو تقدير للأمور، ودون أن يعي أنها تمهد الطريق نحو المزيد من عدم الاستقرار في بلاده؛ ما جعل تركيا تعاني من هذه الأزمات.
* *
فالرئيس أردوغان يتدخل في الشأن العراقي والليبي والسوري وغيرها، ويحتضن كل المنظمات الإرهابية كالإخوان المسلمين، ويشجع قطر على الابتعاد عن محيطها العربي، ويتعاون مع إيران على إحداث فوضى في عدد من دول المنطقة، ولكن كل هذا لم يصرف نظر الشعب التركي عن واقعه المرير، وتردي الأحوال في البلاد التركية، أو يجعله يتناسى القبضة الحديدية التي يحكم بها هذا الدكتاتور الجمهورية التركية.
* *
حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا هو الآن في قمة غضبه من هذا التلاعب الذي يقوده الرئيس أردوغان لتغيير نتائج انتخابات إسطنبول، وهو لن يقبل بأقل من الفوز ثانية في إعادة الانتخابات، إذا قُدر لها أن تتم بنزاهة، مع أن إعادتها تشير إلى أن هناك ما يبيّت للتلاعب بالأصوات؛ ليفوز حزب العدالة والتنمية.
* *
السؤال: ما قيمة إعادة هذه الانتخابات إذا كانت توصف بالخيانة كما أشار إلى ذلك رئيس بلدية إسطنبول؟ بل كيف لنظام أن يحمي نزاهتها وهو يمارس دكتاتورية صريحة لإبطال نتائجها كما أعلن ذلك حزب المعارضة الفائز بالانتخابات؟ على أن التساؤل يمتد للحديث عن الانتخابات التي تتم في أكثر من دولة، وتقدم نموذجًا مشابهًا للنموذج التركي في انتخابات ما يطلق عليها انتخابات تشريعية، وهي ليست كذلك.
* *
المؤكد أن الرئيس أردوغان لن يقبل بأن تظهر نتائج التصويت الانتخابي المعاد بتكرار هزيمته؛ وسوف يضع كل إمكاناته الرئاسية في إخراج الحزب المعارض من السباق حتى ولو كان ذلك بالتزوير والتلاعب، مدعومًا من اللجنة العليا للانتخابات التي قررت إعادتها دون وجه حق.