د. جاسر الحربش
السؤال عن الطرف الأكثر حاجة للطرف الآخر موجه لأتباع المذهبين السني والشيعي في العالم العربي. بعد رفع السرية عن أرشيف مراسلات الاستعمار البريطاني بعد مرور مدة الحجب القانونية وجدت رسالة من المندوب السامي البريطاني في الهند إلى زميله في العراق ينصحه باستخدام الخلاف التاريخي المذهبي بين الشيعة والسنة ليستطيع إنهاكهم وتطويعهم ببعضهم البعض، وحدد له خلافهم على علي ومعاوية ويزيد والحسين. الإنهاك المذهبي في العراق ما زال يتكرر ويهدم في سنوات قليلة ما يتم بناؤه في عشرات السنين من التعايش والتطوير في العراق وسوريا ولبنان.
بعد هذه المقدمة وقراءة المقال أترك الجواب العقلاني للقارئ، وبالذات للقارئ الذي ما يزال متمذهباً في فكره السياسي من الطرفين. اللّامتمذهب لا يهمه كيف يفكر هذا ولا ذاك، لأنه استفتى عقله وضميره وارتاح.
وبعد، حالياً أعتقد أن الشيعة العرب في العراق والشام ولبنان مقبلون على فترة حرجة تبدأ بسقوط حكومة الولي الفقيه الطائفية على يد نفس الغزاة الذين حطموا العراق ثم سلموه كغنيمة حرب لإيران. الذي حفر قبر العراق عام 2003م يحفر قبر إيران الآن. القلق على شيعة العراق وسوريا ولبنان ينبع من كونهم إما أطاعوا سياسييهم الطائفيين الذين باعوهم لإيران ونهبوهم، أو أنهم صمتوا وتقبلوا ما جرى من جرائم بحق الطرف العربي السني بناءً على ما وسوس لهم بهم من الثأر للحسين من أتباع يزيد. بدون لف ودوران، المكون العربي الشيعي في العراق بالذات خذل المكون العربي السني في بغداد والفلوجة والحويجة وتكريت وخصوصاً في الموصل، لأنه وبالذات في الموصل أكمل ما بدأه الإرهاب الداعشي المحسوب زوراً على المذهب السني. يجب هنا الاعتراف بأن أكثر من طاله التدمير والقتل والاغتصاب على يد الإرهاب القاعدي والداعشي كان الطرف العربي السني، وللأسف أكملت المهمة الإجرامية الحشود الشيعية العراقية وألويته المذهبية.
التاريخ يصحح نفسه عادة مثل مياه النهر رغم التفافاته وتعرجاته يكون اتجاه المياه دائماً نحو المصب. قد يفيد في هذا المجال التذكير بأن مجمل التاريخ العربي الإسلامي كان سنياً، وفي أقله القليل فقط وفي فترات متقطعة وفاشلة محكوماً بالمذهب الشيعي. الدول الأموية والعباسية والخلافة الأندلسية كانت كلها عربية سنية، وما زالت الأغلبية الإسلامية العربية وغير العربية إلى اليوم سنية على مستوى الحكومات والشعوب، وبالطبع ما عدا في إيران وشرق العراق. الفترات القصيرة التي ساد فيها الحكم الشيعي في مصر (الفاطميون) وتونس (العبيديون) وفي بعض إمارات الشام كان يتفكك سريعاً ومن داخله وتستمر الشعوب على التسنن والانتماء العربي.
الحكم الإمامي الشيعي في اليمن الذي امتد ألف سنة قدم أسوأ الأمثلة في كل التاريخ الإسلامي العربي. بناءً على ما تقدم أعتقد كقراءة شخصية أن المكونات الشيعية في العراق والشام ولبنان تنتظرها أوقات عصيبة من احتمالات الانتقام بعد السقوط المؤكد لحكومة الولي الفقيه العنصرية الطائفية، وأتمنى من كل قلبي كمسلم عربي أن يحدث تفاهم بين الطرفين قبل فوات الأوان.
والآن أعود للسؤال في العنوان عن الطرف الذي يحتاج إلى الآخر أكثر.