تصوير - شريف الجبور وعبدالله الشهري:
غربت الشمس خلف جبال ضانا، وحل سواد الليل في أجواء باردة، فبدأ الجمْعُ يَنْفضْ ويغادر شرفة بيت الضيافة بالمحمية، أما أنا وزملائي من الجمعية والبيرد لايف انتقلنا لأحد زوايا بيت الضيافة لأداء صلاتنا، ومن ثم انتقلنا إلى مطعم بيت الضيافة لتناول وجبة العشاء، الذي يعده طباخون من أهل القرى حول المحمية يعملون بها، وقد علمت من أخي طارق أن المواد المستخدمة بالطبخ من خضار وورقيات هي من إنتاج القرى المجاورة للمحمية، مما يبرز دور المحمية في رفع مستوى المعيشة للسكان المحليين،
وفي المطعم جلس على طاولة الطعام بجواري أخونا أشرف الحلح الذي تحمل عبء جلب النسر المصري والعقاب لمحمية ضانا، ورعايتهما خلال اليومين الماضيين، فوجدتها فرصة أن أسأله عن المها العربي بمحمية الشومري، والذي كان ضمن برامج تعاون مشترك بين الجمعية الملكية لحماية الطبيعة والهيئة السعودية للحياة الفطرية التي بدأت منذ أكثر من 30 عاماً، والحمد لله علمت منه أن وضع المها العربي بمحمية الشومري جيد وهم بانتظار الحصول على مجموعات أخرى لزيادة التنوع الجيني للقطيع.
ما إن اكتمل صف صواني الطعام في ركن المطعم حتى قام الجميع ليلتقط ما يناسبه منها، وما أعجبني في مائدة الطعام هو طعم الخضراوات الطازجة، خاصةً طعم البندورة والخيار والتي تشعرك فعلاً بطزاجتها، جلس أمامي على طاولة الطعام أخونا طارق وبادرني بقوله: أتعلم يا أبو فيصل: لقد قمت ببحث في جوجل عن النسر المصري وعلمت أن هناك من يقول إن النسر المصري اختير شعار للعلم الشخصي لصلاح الدين الأيوبي سلطان الدولة الأيوبية، حيث وجد في قلعة صلاح الدين، وكان لونه أحمر ويرمز للقوة والانتصار على الأعداء، وعليه أشار البعض إلى أن الشعار على عَلَم جمهورية مصر العربية هو تيمناً بشعار النسر المصري الذي اتخذه صلاح الدين الأيوبي، توقف عن الكلام قليلاً ونظر إلي وقال: لو كان هالحكي مؤكد فهذا يزيد من مسؤوليتنا للمحافظة على هذا الطائر.
أنواع أجهزة المتابعة بالطيور
ما أن انتهت فترة العشاء ودخل ساكني بيت الضيافة لمضاجعهم، حتى حملنا الأقفاص ودخلنا صالة بالمبنى الشمالي لبيت الضيافة، وأخذنا مكاننا تحت مصباح جيد الإضاءة، وأخرج زميلنا محمد الزعبي صندوق العدة، وقدمها لي وسألني على استحياء: هل لديك فكرة عن عمل أجهزة المتابعة؟ وهل هي مماثلة لما تستخدمونه بالسعودية على الحبارى والنسور؟
أخذت الجهاز ووضعته على طاولة صغيرة وبدأت أتأمله، ثم نظرت حولي فوجدت الجميع ينظر إلي بعيون يملؤها حب المعرفة ورغبة في التزود بالمعلومات عن هذه التقنية لمتابعة الطيور التي تطورت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، جلست على أقرب أريكة وطلبت من أخي طارق أن يجلب «وصال» «النسر المصري» وأنا في غاية السعادة فهذه تجربة جديدة مع أحد النسور المهددة بالانقراض، بدأت حديثي بالقول: تعلمون أن عملية المتابعة للكائنات مهمة لأسباب عديدة فهي تساعد على فهم بيئة وسلوكيات الطيور والأنواع الأخرى التي يتم دراستها، ويمكن تقسيمها إلى: أجهزة متابعة قصيرة المدى وهذه تحتاج الى وجود الباحث بمنطقة قريبة لالتقاط الإشارات وتعرف بأجهزة المتابعة اليدوية وهذه تحتاج جهازًا لاقطًا للإشارة (مستقبل Receiver) وهوائي وهذه الأجهزة تصلح لمتابعة الحيوانات ذات التحركات القصيرة وتعرف بأجهزة إرسال ذات الموجة العالية (VHF Radio Transmitter)، وهذه الأجهزة ترسل موجات محددة تُسْتقبل من قبل أجهزة استقبال يلتقطها، ولكل جهاز موجة محددة يستقبلها جهاز الاستقبال، وهناك عدد من الشركات التي تنتجها، وتختلف أوزانها وأسعارها، وهذه التقنية جيدة لمتابعة الحيوانات التي يتم توطينها أو دراستها في نطاق مساحي محدد، أما أسعارها فتراوح بين 80 إلى 300 دولار. وهذه التقنية استخدمت في متابعة الحبارى التي يتم إطلاقها في محميات الهيئة السعودية للحياة الفطرية.
أما الشكل الثاني من أجهزة المتابعة وهي التي تتم عن بُعْد وتستخدم للأنواع ذات التحركات البعيدة كهجرة الطيور، والأسماك والثدييات البحرية والبرية، وتختلف هذه الأجهزة في طريقة الحصول على المعلومات منها، والتي يمكن تحديدها في ثلاث طرق: الأولى تعرف بأجهزة الجيولوكيتر (Geolocator) وهذه الأجهزة نحتاج أن نمسك الطائر مرتين الأولى لتثبيت الجهاز ومن ثم إطلاقه للبرية لفترة معينة ثم يتم إمساكه مرة أخرى لاستخراج المعلومات للمواقع التي سجلها الجهاز ، وهذه يصل سعرها بين 50 إلى 300 دولار حسب وزنه والمعلومات المطلوب منه تسجيلها. ولصغر وزن هذه الأجهزة التي تصل إلى 2 - 5 جرامات، أمكن استخدامها مع طيور صغيرة، فعرف لأول مرة أن هناك طيورًا تقطع خلال طيرانها مسافات تصل لأكثر من 7.500 كم بدون توقف، فكان لأول مرة يتم معرفة قدرة بعض الطيور على الطيران المتواصل ليل ونهار لعدد لأكثر من أسبوع، كذلك قدرتها على فقد 40 في المائة من وزنها لنتيجة لهذا الجهد بدون أن تتأثر. وعلى فكرة هناك أجهزة منها مشابه لما يوضع في السيارات من قبل شركات التاكسي وكذلك سيارات الشرطة وغيرهم ممن يرغب في متابعة تحركات السيارة وهذه يمكن متابعتها عن طريق أجهزة متابعة بالأقمار الاصطناعية.
أما التقنيتان الأخيرتين فيعرف بارتفاع أسعارهما، لكنهما الأفضل لمتابعة الأنواع المهاجرة لمسافات بعيدة، لذا فمن المهم أن نتأكد أن هذه التقنية للمتابعة سوف تحقق الهدف المنشود، عندها حملت الجهاز الذي سوف نضعه على «وصال» (النسر المصري) واكملت حديثي بالقول: إن هدفنا من تثبيت الجهاز هو معرفة أين سيذهب هذا النسر وما هو مسار هجرته، وهذا الجهاز الذي نثبته الآن على «وصال» يتميز بأنه يستخدم ما يعرف بـ(جي إس إم) (GSM «Global System for Mobile)، ويعرف بالنّظام الشامِلُ للاتصالات النّقالة أو النظام الموحد للاتصالات المتنقلة أو النظام العالمي للاتصالات المتنقلة، وهذا يعني أنها تحوي على شريحة مثل شريحة الجوال، كما تحوي على محدد مواقع (GPS «Global Posising System)، وهذا يحدد خطوط الطول والعرض من خلال إشارات من الأقمار الاصطناعية التي تدور في مدارات حول الأرض، وحسب علمي أن هناك نحو 30 قمراً صناعياً يقوم بتحديد مواقع هذه الأجهزة بنسبة خطأ تصل من 10 - 100م، كما أنها تستخدم في إرسالها التردد فوق العالي والذي يعرف بـ(UHF “Ultra High Frequency)، والمحصورة بين 300 ميجاهرتز الجزيرة 3 جيجاهيرتز، والأجهزة الموجودة بالسوق الآن يصل وزنها بين 20 إلى 70 جرامًا، وحسب وزن الطائر يتم اختيار الجهاز المناسب بحيث لا يزيد وزن الجهاز عن 3 في المائة من وزن الطائر، وهذه الأجهزة تبرمج على إرسال المواقع بأوقات معينة ومبرمجة وعادةً تكون بين 6 - 12 قراءة ترسل عبر رسائل نصية للجوال،أتعلمون أيضاً أن العديد من الجهات تستخدم هذه الأجهزة لزيادة الوعي والحصول على دعم من أشخاص مهمين بحيث يتم مشاركة أشخاص ذي نفوذ في متابعة طيور ذات أهمية لتلك البلدان ويتم إشراكهم في الحصول على معلومات على حركة الطيور، ومن ذلك نجحت العديد من الجمعيات والمراكز العلمية في الحصول على الدعم لزيادة أعداد الطيور التي يتم متابعتها، وأتذكر ذلك اللقلق الأسود الذي وجد نافقاً في مزرعة بينبع وكيف كان مسؤولون وطلاب مدارس يتابعون هجرته، في هذه اللحظة تدخل أ. شريف الجبور من البيرد لايف قائلاً وماذا عن أجهزة المتابعة بالأقمار الاصطناعية التي نسمع عنها كثيراً؟
وقبل أن أجيبه طلبت منه أن يخيط شريط التِفْلُون تحت موقع القانصة لننهي تثبيت الجهاز على «وصال»، ومن ثم استكملت حديثي لأجيب على سؤاله: أتعلم أن أجهزة المتابعة بالأقمار الاصطناعية بالرغم من تعدد أنواعها وأشكالها وأحجامها إلا أنها ما زالت أغلى من الأجهزة التي تعمل بواسطة شرائح الجوال، حيث يصل سعر أجهزة المتابعة بالأقمار الاصطناعية بين 2800 إلى 4000 دولار، أما أجهزة المتابعة بالجي إس إم فيصل سعرها بين 700 إلى 1200 دولار، وقد تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ليصل وزن الجهاز إلى 2 جرام وهذا يعني أنه يمكن تركيبه على طيور صغيرة بين 70 -100 جرام.
لم أكمل جملتي حتى صرخ الأستاذ أحمد العدوان وهو يعمل في سكرتارية المكتب الإقليمي للبيرد لايف إنترناشول في الشرق الأوسط وكان يمسك بالعقاب الذهبي ويقول تكفى يا دكتور أبو فيصل خلينا من كيف تشتغل هذه الأجهزة والحقوا علي ... العقاب الذهبي ح يقطع يدي، نظر الجميع إليه وكنا قد انتهينا من تثبيت الجهاز على «وصال» وكلنا يضحك فرحين بانتهاء تثبيت الجهاز، كذلك من طريقة مسك أخونا أحمد للعقاب، ولا ألومه، فحتى مع تدخلنا جميعاً قاوم العقاب حتى كاد أن يسيل دماء أحدنا بمخالبة، لكن الله سلم وتم تركيب الحلقة المعدنية وإعادته للقفص ونقله و»وصال» لمكانهما السابق بمبنى إدارة المحمية، وذهب كلٌ منا إلى مضجعه بعد سهرة كانت رائعة، حملنا فيها «وصال» بين أذرعنا لنثبت عليها أجهزة المتابعة لتسطر فصلاً جديداً في معرفتنا عن تحركات النسر المصري.
أسباب تدهور أعداد النسر المصري
مع إشراقة شمس اليوم التالي حملنا «وصال» والعقاب الذهبي لنقلهما إلى مخيم الرمانة بالمحمية، الذي سوف يتم فيه فعالية لإطلاق هذين الطائرين في وجود مجموعة من أعيان ومشايخ وأبناء المنطقة، ويقع مخيم الرمانة في موقع منبسط يطل على وادي الأردن، ويحتوي على عدد من الخيام مجهزة للمبيت ومرافق صحية ومطعم يقدم الوجبات العربية التقليدية، وأجمل ما شاهدته بالمخيم كانت خيمة الشعر الكبيرة ذكرتني بوطني الحبيب، فسألت زميلنا أحمد العدوان ما مهمة هذه الخيمة؟ فأخبرني أنها تهيئ مكان يتيح للسياح الجلوس فيها والاستمتاع بمشاهدة النجوم ليلاً وشرب الشاهي والقهوة وتقام أحيانًا فعاليات وسهرات شعبية يعزف فيها الربابة ليعرف السياح على التقاليد والموروثات الشعبية للأردن، كما أضاف أن هذه الخيمة تحتضن جميع الفعاليات التي تقام بالمحمية ومنها هذه الفعالية.
انشغل الزملاء بالجمعية لترتيب المخيم لاستقبال الضيوف من المجتمع المحلي، وذهبت مع شريف الجبور لمشاهدة طيور المحمية، سلكنا أحد الممرات التي توصلنا لكشك خشبي وضع أمام بركة ماء صغيرة التي تمكن الجالس فيه لمراقبة الطيور التي تأتي لشرب الماء، وصلنا للكشك وجلسنا داخله ننتظر أن تأتي الطيور لشرب الماء فنتمكن من تصويرها، وخلال وجودنا داخل الكشك بادرني بسؤال وبصوت خافت يحمل القلق في نبراته، فهو لا يود أن تتنبه الطيور بوجودنا وأيضًا يحمل الخوف على «وصال» بعد إعادتها للبرية فقال: حقيقة يا أبو فيصل لدي قلق على «وصال» فالنسور تواجه مخاطر عدة، فهناك التسميم بالمبيدات التي ترش على النفايات والتسميم الناتج من تغذية النسور على جيف حيوانات ماتت تحوي على دواء الدايكلوفيناك (Diclofenac)، كذلك التكهرب بأعمدة الكهرباء، وتدهور موائل هذه الطيور إضافة لقلة الغذاء والإزعاج بمواقع التعشيش، بعدها توقف شريف عن الكلام ونظر باتجاهي وسألني: هل النسر المصري معرض لمثل هذه المخاطر في السعودية؟
نظرت لشريف فوجدته جالساً بركن الكشك مثبتاً كاميرته ينظر اتجاهي تارة وتارة أخرى باتجاه موقع حوض الماء ينتظر قدوم الطيور لشرب الماء، ابْتسمتُ وقلت له.. عندنا وعندكم خير! فالمخاطر التي تواجه النسور تقريباً مشابهة، خاصة التسميم الذي قتل ليس فقط النسور، ولكنه أودى بحياة خمس نمور عربية خلال العقدين الماضيين، وهذه النمور كما تعلم من الأنواع المهددة بالانقراض وأندرها فأعدادها قدرت بنحو 200 نمر فقط، لكن هناك سبب آخر ربما يكون له دور في تناقص أعداد النسور المصرية ليس عندنا فقط ولكن ربما في كثير من مناطق انتشاره، شد هذا الحديث انتباه شريف وأخذ ينظر باتجاهي باستغراب، وما ذلك المسبب؟ فبادرته سريعًا بالحديث لإيضاح ذلك.. تعلم أخي شريف أن منقار النسر المصري ليس بالقوة الكافية ليقطع جلد الحيوانات الميتة وعليه فهو بحاجة لطيور ذات مناقير قوية أو مفترسات من الثدييات كالضباع والذئاب والنمور، لكن هذه الحيوانات المفترسة تناقصت أعدادها بشكل كبير مما قد يكون أثر على أعداد النسور المصرية، وهذا ربما جعلها تتوجه لمرامي النفايات التي يمكن أن تكون مقبرة لها بسبب عمليات رش المبيدات الحشرية، لم يتركني شريف أكمل جملتي حتى صرخ يطلب مني التوقف عن الحديث لمشاهدة طيور الزرزور الأسود وطائر الحسون الجميل بلون صدره الأحمر، لا أدري كم صورة التقطت لهذه الطيور الجميلة لم نشبع من تصويرها حتى غادرت موقع حوض الماء.. عندها قلت لو عرف الصيادين في بلداننا متعة مشاهدة الطيور وتصويرها لحولوا بنادق صيدهم لكاميرات يوثقون التنوع الأحيائي ولكان لهم دور كبير في المحافظة على التنوع الأحيائي بشكل عام والطيور بشكل خاص.
تحليق «وصال» وعودة حريتها
عدنا للمخيم بعد رحلة جميلة داخل المحمية، فوجدنا ساحة المخيم قد امتلأت بأفراد من المجتمع المحلي وطلاب المدارس، وما هي إلا دقائق من وصولنا للمحمية حتى وصل أعيان ومشايخ المنطقة، لتبدأ الاحتفالية بخطاب ترحيبي من قبل رئيس محمية ضانا، ومن أحد أعيان المنطقة، وقبل أن تنتهي الخطابات الترحيبية وتبدأ مراسم إطلاق الطائرين قمنا بحمل قَفَصّي «وصال» والعقاب الذهبي لموقع الإطلاق، وانتظرنا قدوم المشاركين بالاحتفالية، والذين أتوا يشدهم الشوق لرؤية «وصال»...،
وصل الجميع للمكان المحدد وتقدم أحد مشايخ المنطقة وكبيرهم ليساعد أخونا محمد الزعبي لفتح باب القفص، كنت أرقب المنظر بفرحة يشوبها القلق، فعودة الحرية لهذه الطيور تفرحني وأفرحت جميع الحاضرين، لكن قلقي ينبع من خوفي عليهما، كذلك من نجاح تحليق «وصال» بدون تأثرها بالجهاز المثبت عليها وذلك لأهمية نجاح هذه التجربة الإقليمية التي تبناها المكتب الإقليمي للبيرد لايف، والحمد لله ما إن فتح باب القفص حتى خرجت «وصال» تمشي متوجفةً تخطو خطوات يشوبها الخوف تنظر إلى الجمْعِ حولها ولسان حالها يقول.. هل أنا فعلاً حرة؟ تقدمت تمشي حتى وقفت على حافة الجرف وفردت جناحيها ليدخل هواء الحرية تحت أجنحتها فيرفعها، فتقفز تارة وتحرك أجنحتها تارة أخرى كأنها طفل حصل على مبتغاه.. نعم إنها فرحة بحريتها، كان الجميع يترقب تحليقها، والذي لم ننتظره طويلاً حتى بدأت «وصال» تسلم جسدها للريح ليحملها عالياً لتحلق فوق رؤوسنا، كانت تنظر إلينا من عَلٍ فاردةً جناحيها وتدور حولنا والجميع يتبع حركتها في سعادة ويشاهدها وهي تعلو وتعلو محلقةً، كنت أنظر إليها وهي تبتعد وأدعوا الله أن يحفظها، حتى اختفت عن أنظارنا خلف جبال ضانا الجميلة.
بعدها جاء دور العقاب الذهبي فالتف الجمع حوله، عندها سمعت صوت أخي أحمد يقول خلوا هذا الوحش الجميل لي أنا أفتح له باب القفص، خرج من القفص وينظر للجمع حوله وبدأ يخطو خطوات واثقة إلى حافة الجرف ليفرد جناحية ويبدأ بالتحليق ليعلو وينزلق مع تيارات الهواء والتي حملته بعيداً، والجميع ينظره بنظرات فيها دعوات أن يسلمه الله من كل مكروه. ومع اختفاء العقاب الذهبي» خلف الجبال حتى انفض الجَمْعُ ليَلْحَقُوا وجبة الغذاء التي كان الجميع بانتظارها، فقد أعدت الجمعية الوجبة الشعبية في الأردن التي تسمى المنسف، ليجلس الجميع حول تلك الصحون لتستكمل لوحة جميلة توثق سعادة الجميع بعودة الحرية لـ»وصال»... النسر المصري والعقاب الذهبي.
بالرغم من مرور أيام من عودتي لأرض الوطن مازالت تلك اللحظات الجميلة في مخيلتي ومنظر «وصال» تحلق في سماء محمية ضانا، وما زاد من نشوة سعادتي هو تلقي معلومات بتحرك «وصال» للشمال الشرقي من المحمية لتصل مع تسطير قلمي لقصة «وصال»، لمنطقة بالقرب من إربيل بالعراق. لقد كانت تجربة رائعة لا تنسى والجميل فيها أيضًا هو لقائي بشباب من أبناء الجمعية الذين عملوا معي لتثبيت جهاز المتابعة، فقد قدموا صورة مشرفة لأبناء النشامى، فهنيئاً للجمعية بهم وهنيئاً للأردن بشبابه النشامى.
** **
أ. د. محمد بن يسلم شبراق - مستشار بالهيئة السعودية للحياة الفطرية - عضو هيئة التدريس بقسم الأحياء، كلية العلوم، جامعة الطائف - عضو اللجنة العلمية الاستشارية لمذكرة التفاهم للمحافظة على الطيور الجوارح والبوم المهاجرة بين إفريقيا وأوروبا وآسيا