د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
كنت قد أشرت في مقالة سابقة نشرت في 4 مارس المنصرم، تحت عنوان «العلاقة بين الإسلام والغرب» لثلاث آيات كريمات، الثامنة والتاسعة من سورة الممتحنة، والسابعة والأربعون من سورة المائدة، وذكرت أنها تمثل أساس علاقة المسلمين بالغرب، وختمت المقالة بالإشارة إلى أنه، لكي تتآلف البشر وتتآزر، كان لابد لها من أن «تتحاور».
فالحوار، وكما جاء في مؤلف للأستاذ «هاني لبيب» تحت عنوان «الحوار المسيحي الإسلامي» ينقلنا من الاستبعاد إلى الاستيعاب، ومن الرفض إلى القبول، ومن التصنيف إلى التفاهم، ومن التشويه إلى الاحترام، ومن الإدانة إلى التسامح، ومن العداوة إلى الألفة، ومن التنافس إلى التكامل، ومن التنافر إلى التلاقي، ومن الخصومة إلى الصداقة.
ومن هنا جاءت مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، غفر الله له وأكرم مثواه، للحوار بين الأديان، أملا منه يرحمه الله، في الانتقال من حالة توجيه الاتهامات إلى «المحاورة» و»المفاوضة» و»التعارف الحقيقي» و»استيضاح الاتفاق والاختلاف».
وعودة للعلاقة بين الإسلام والغرب، فإن الخوف من الإسلام الذي يعيشه الغرب اليوم، والذي اصطلح على تسميته بـ»الإسلاموفوبيا» لا يعكس مجرد حالة الخوف من المسلم، ولكنه تجاوز ذلك إلى رعب وهلع من الإسلام، الإسلام الذي أصبحت ثقافته في نظر الغرب، هي ثقافة الموت، والانتحار، وإراقة الدماء.
وأصبح العالم، وخصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة، وكأنه مصاب بغثيان عقلي، جعله يكره العرب والمسلمين، ويراهم أقواماً من الأشرار والفوضويين. ووفقا لـ لوسيان بيترلان، رئيس جمعية الصداقة الفرنسية العربية، فإن «شعور الأوروبيين يبدو أشبه بحال من يترقب لحظة وقوعه في الأسر الإسلامي». وحسب «بيترلان» أيضا، فإن «أغلب الساسة ورجال الفكر والإعلام في أوروبا يتعاملون مع الإسلام على أنه ظاهرة تتعارض مع مبادئهم وتهدد ثقافاتهم». وقد أدى ذلك إلى التحريض وإثارة الأحقاد، والإهانات، وانتهاك الحرمات، وتدنيس المقدسات، وشوه صورة الإسلام، بشكل فاق التصور.
فهناك من جاء بمصطلح «شيطنة الإسلام» الذي جعل من صورة الإسلام شيطانا، وهناك من شوه الحقائق حول الإسلام وحضارته وواقعه، وهناك من استخدم الصحف، والمجلات، والتلفاز، والانترنت، والمطبوعات والمنشورات، والكاريكاتيرات، والأفلام السينمائية، في تنفيذ العديد من الإساءات للإسلام والمسلمين.
وهناك الدعوات لحرق القرآن الكريم وحظر بيعه في المكتبات العامة، والتطاول المستمر على المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو تطاول يأتي وللأسف الشديد، تحت مسمى «حرية الرأي والتعبير» وكأن حريتا الرأي والتعبير، لا تكونا إلا بالتطاول على الإسلام.
وقد جاءت كل تلك الإساءات، في وقت تركنا فيه نحن المسلمون، رغم ما نملكه من إمكانيات كبيرة صناعة صورتنا في الغرب لغيرنا، ما أدى إلى تشكيل صورة شديدة السلبية عنا وعن إسلامنا، من قبل القوى التي تسيطر على وسائل الإعلام في الغرب.
والأمر الذي يؤسف له حقاً، أن تشويه صورة المسلمين في الصحافة الغربية، قد تجاوزت كل الحدود المهنية والأخلاقية والإنسانية، عندما أقدمت صحيفة «دنمركية» على نشر رسم كاريكاتوري، يسخر من شخص رسول المحبة والسلام صلى الله عليه وسلم. والأكثر أسفا، أنه تبعها في نشر تلك الصور صحف هولندية ونرويجية وفرنسية وإسبانية، ما يدل على أن تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الصحف الغربية، بدأ يتخذ منحى تصاعدياً استفزازياً شديد الخطورة، باستهداف شخص الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الصدد، فإنني أجزم أنه لا يختلف اثنان، مع ما جاء على لسان الفيلسوف الفرنسي المسلم «رجاء جارودي» عندما قال «بأن الأوساط الغربية باتت تنحدر في تعاملها مع الإسلام إلى نمط هابط» وصفه بأنه «إفلاس الغرب وحضارته التي تحتضر».
وحقيقة الأمر أنه لا يمكن لنا أن نتحدث عن تشويه صورة الإسلام، ما لم نتطرق إلى الدور الذي يلعبه الإرهاب في تغذيته. وأعتقد بأن القارئ الكريم يتفق معي، بأنه إذا كان ما يحدث من هجمات إرهابية قد نجحت في شيء، فهو بلا جدال ولا مواربة، تشويه صورة الإسلام والمسلمين. فقد صارت أصابع الاتهام لا تشير عقب أي حادثة اعتداء، إلا إلى المسلمين، الأمر الذي يعني وبوضوح تام، بأن للإرهاب دورا رئيسا في تشويه صورة الإسلام والإساءة إليه.
وفي هذا الإطار، فإنه كلما دار حديث عن علاقة الإرهاب بالدين، تذكرت مقولة جاءت على لسان «البابا يوحنا بولس الثاني» وهي «أنه لا يوجد دين إرهابي، ولكنه يوجد إرهابيون في كل دين».
أما عندما نتحدث عن علاقة الإرهاب بالإسلام، فإن المسلم لا يمكن له أن ينكر البتة، أن ما يشار إليه بالإرهاب، يمارس في عالمه الإسلامي، ويمارسه بعض المسلمين.
ونقف هنا لنؤكد، على أن الإرهاب ليس حصرا على المسلمين، ولا سمة من سمات سلوكهم العام، ولا صفة من صفات فكرهم الإسلامي، وأنه ليس للإرهاب خصوصية تصله بالإسلام والمسلمين، لا من قريب ولا من بعيد.
ومن جهة أخرى، فإن واقع الحال يؤكد، أن بعض أهل الإسلام، ليسوا براء من الإرهاب. فالأعمال التي تقوم بها الجماعات الإرهابية، هي التي زادت من الصلة بين الإرهاب والإسلام في أذهان الملايين.
أما نزعة العداء للغرب وعلاقتها بالإرهاب، فنعتقد بأن العمليات الإرهابية، قد أخذت صورة الغلو في المعاداة، ويعلم القارئ الكريم نفسه، أن الغرب ليس منصفا كله، وليس ظالما كله، وأن علينا، نحن المسلمون، أن نتحرى العدل في أحكامنا، والضبط لمشاعرنا.
صحيح أن هناك مواقف وسياسات تجعلنا نعادي الغرب، لكونها سياسات اتسمت بعدم العدالة والإنصاف، ولكن الحكمة، تشير إلى أن الطريق الأوفق، لا يتمثل في العداء، بل ببذل الجهد في إزالة التحيزات، ومناهضة الحملات، وأن ما نحتاج إليه، هو عمل مؤثر ودؤوب، يساعد على إزالة نزعة العداء من جانبنا، ويجعل الغرب يدرك بأنه يتوجب عليه، التعامل معنا بنزاهة وعدالة وإنصاف.
وللحديث بقية