سمر المقرن
مع بداية ظهور مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي كنّا نتابع كل شيء، ونقرأ كثيراً مما يُكتب، ونشاهد كثيراً مما يُبث. وهذا أمر طبيعي مع بداية ظهور أي تقنية حديثة، أما اليوم فكثير من الناس من يختار المحتوى الذي يرغب بمتابعته، ويتوافق مع اهتماماته الشخصية. صار المتلقي أكثر وعياً، وقادراً على التمحيص بين الغث والسمين، وبيده ومن خلال كبسة زر واحدة هو المتحكم، فلا يتحكم به أحد، ولا يفرض عليه أي أحد المحتوى الذي يتابعه.
وفي اعتقادي أن المحتوى الوارد لكل شخص ليس هو ما يحدِّد مسار اهتماماته فقط، بل هو ما يحدِّد سلوكه ورغباته أيضاً؛ بمعنى لو نظرنا إلى بعض الحسابات في تويتر القائمة على المشاكل مع الآخرين أو التي لا تبحث إلا عن النصف الفارغ من الكأس، نجد لها كثيراً من المتابعين، بل وحتى نسبة تفاعل مرتفعة جداً، وأتوقّع أن من يبحث عن هؤلاء فئتان: الأولى هي التي تستمتع بالمشاكل ويرتفع لديها هرمون السعادة بالعبارات العدوانية، والثانية فقط تتابع للاطلاع. لذا لن أتحدث عن الفئة الأولى لأن الطيور على أشكالها تقع، إنما الفئة الثانية هي المعنية في أن تربأ بنفسها ونفسيتها من الاطلاع على ما تتداوله هذه النوعية من البشر، فقد لا يشعر الإنسان بالتأثير السلبي لمتابعة معارك مثل هؤلاء الناس، ويتأثر دون أن يشعر بنفسه، فما الذي يجعله يضيع وقته وجهده ونفسيته لمتابعة معارك مفتعلة أهدافها لا تتعدى المصلحة الشخصية أو مطالب الشهرة، ومتابعتك له تمنحه هذه القوة وتجعله يزيد في طرقه السلبية تجاه الآخرين، فلو أنه عندما اعتدى فلان من الناس على فلان ولم يجد الردود والتفاعل والريتويت لما تمادى كل يوم بحثاً عن شخصية شهيرة يشاكسها ويصعد إلى سلم الشهرة الرخيصة بهذا الأسلوب الدنيء وبث الكراهية، وأنت الذي تساعده لأنك تتابعه حتى وإن كانت متابعتك له بصمت!
هذه المواقع فيها جوانب جميلة جداً، أبعد وأعمق من هذه السطحية المنهكة، هناك تبادل معرفي وثقافي وحوار فكري وتفاعل إيجابي وآراء بناءة كلها تنهض وتبني وتمنح الإنسان مشاعر إيجابية جميلة، وتُنمي الجوانب الإبداعية، كما أنها ترفع هرمون السعادة بشكل صحيح لا هرمون الخبث والتصيّد والبحث عن الأخطاء وافتعال المشاكل!
ليس كافياً على من يبحث عن راحة البال أن يبتعد في حياته الواقعية عن الأشخاص السلبيين، بل حتى على صعيد المواقع والتطبيقات الابتعاد عن هؤلاء بات مطلباً مهماً لسلامة النفس والنفسيّة.