عبدالوهاب الفايز
عندما قرأت الخبر عن تدشين الموقع الإلكتروني الجديد لهيئة الخبراء بمجلس الوزراء على شبكة الإنترنت، الذي يتيح الوصول والبحث في محتوى الوثائق النظامية بسهولة، هنا وجدتها فرصة لكي نقف ونستذكر الدور المهم للهيئة على الصعيد الوطني، وبالتأكيد هناك من هو بعيد إدراك أهمية هذا الدور.
طبيعي أن الذي لا يعمل في القطاع العام ربما لا يعرف هيئة الخبراء وأهمية دورها في شؤون الدولة، ودورها قد لا يهم أن يدركه ويستوعبه عموم الناس المشغولين في حياتهم، الذين اعتادوا على أن الحكومة هي التي تعرف كيف (تدبر أمورها)، وطبعا هؤلاء على حق، ويجب أن يستمروا في تقديم حسن الظن والثقة بمن هم في الحكومة، فهذا يساعد من بيدهم القرار وصنع السياسات وإدارة شؤون الدولة لكي يتفرغوا للمهمة الموكلة إليهم، من ولي الأمر ومن الناس.
في المقابل من وُضع بيدهم إدارة مصالح الناس، بالذات من القيادات الجديدة التي وُضعت في سدة المسؤولية وكل تجربتهم في القطاع الخاص، هؤلاء من واجبهم أن يعطوا أنفسهم الفرصة ليتعلموا ويستشعروا أهمية الأجهزة السيادية في الدولة مثل: مجلس الشورى، وهيئة الخبراء، ومجلس القضاء الأعلى، فهذه الأجهزة لم تُوضع وتُدعم وتُمكن لتكون واجهات (لتجميل النظام السياسي)، فهذه مؤسسات تتولى أمورًا سيادية عبر تحقيق العدالة والتشريع والتنظيم لأعمال الدولة، وتستهدف (تحقيق المصالح العليا للدولة).
الذين يتولون المهام الأساسية في هذه الأجهزة السيادية يتصدون لمهمات كبرى ويتوخون المصالح العليا، ويقومون بالوظيفة الأساسية للسياسي، أي أن يكون (رجل دولة)، ورجل الدولة هو الذي يتدرب ويتعلم أدبيات وفن صنع السياسات وإحداث التوازنات، ويبني النزعة الأخلاقية التي تجعله يتجرد من (ذاته)، ويتجرد من (الخوف من الآخر) الذي أمامه بحيث يتعامل معه بمهنية وموضوعية و(صلابة) في الموقف والرأي، حين يكون في موقف القرار أو المشورة التي تهم المصلحة العليا.
وهنا الموقف سيكون بين طرفين. فالذي يمثل الجهاز الحكومي عندما يحمل ملفه، فمن حقه أن يعرض الموضوع ويدافع عنه بالحجة والبرهان و(عدم الاستقواء بالدعم السياسي)، فالموضوعات التي تناقش ليست سياسية، بالذات إذا كان الموضوعات لها أبعاد فنية وتحكمها عدة أنظمة قد يكون منها أمور سيادية. في المقابل المستشارون في الهيئة من واجبهم التسامي عن الذات والدفاع عن المصلحة العليا للدولة وللناس حتى لو ترتب على هذا ضرر شخصي، فالتسامي عن الذات تضحية لا تخلو من دفع الثمن، إنها (أمانة) الاستشارة.
وربما نجدها فرصة، مع حقبة التحول التي تتطلب إحداث أجهزة وتعديل أنظمة، للدعوة إلى تعزيز الحصانة السيادية لموظفي الهيئة، مع دعمهم الفني إعطائهم الإمكانات المادية والبشرية التي تساعدهم في بلورة القرارات الوطنية،
كل الذين عملوا في الحكومة من رجال الدولة في العقود الماضية يتذكرون المواقف الإيجابية لهيئة الخبراء، ويرونها (صمام الأمان) لأعمال الحكومة، وهنا أتذكر ما قاله معالي الأخ الدكتور محمد الملحلم، وزير الدولة السابق في لقائه مع أعضاء مجلس الشورى، فقد وقف طويلا عند الدور الإيجابي لهيئة الخبراء، إذ يرى دورها مكملاً وداعمًا لدور مجلس الشورى، فتكامل الأدوار هذا أكبر مساند لعمل الحكومة واستقرار بلادنا، والمهم أنه يكرس (العمل المؤسسي) الذي يحيِّد ويقلل مخاطر الحالة المعروفة في أداء بعض قيادات القطاع العام الذين عادة يهتمون بـ (المكاسب السريعة)، فتجربتهم القصيرة في الحكومة لا تساعدهم على (الرؤية البانورامية) للأشياء بأبعادها الضرورية.
أخيرًا نقول: واجبنا أن نوجد المجتمع الذي يحترم أبناؤه سيادة مؤسسات الدولة السيادية باعتبارها ممثلة للإرادة والمصلحة العامة.