رمضان جريدي العنزي
يخيل للبعض أن العبوس والتكشير والشدة والصرامة من سمات الحضور والفرض والهيمنة والإثبات، وما عرفوا بأن هذه الصفات المقيتة خلافًا لما تقتضيه توصيات الدين الحنيف، وقواعد الإنسانية، قال الله جل في علاه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ) وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق) إن الوجه الطليق، والكلام اللين، والبشاشة الراقية، عناوين لروح طاهرة، وإنسانية عامرة بالمودة، وصاحب هذه الصفات بعيداً عن التكبر، ملاصقًا من المودة، أسرع إلى القلوب، وأقرب إلى النفوس، إن الثغر الباسم، يمنح الآخرين السعادة والفرح والقبول، مثل حديقة غناء نباتها أخضر، وورودها زاهرة، وصاحبه يملك سجايا النبل والخصال الحميدة، ويتقن إظهار الحب والمودة للناس، إن الإنسان اللطيف القويم دائمًا نراه هاشًّا باشًّا، لقد كان العرب حينما يريدون مدح الرجل يقولون عنه: بسام الثغر، إن الوجه العابس، والتعامل الجاف، والتصحر في القول، واليبس في المعاملة، لا تؤدي إلى نتائج إيجابية، ولا إلى نجاحات باهرة، ولا توصل إلى أهداف مبتغاة ومرجاة، ولا إلى مدارات بهية، أو نهايات صحيحة، وصاحبه يعيش الوهم والتوهم والتخيل وتضخم الأنا، ينفر أكثر مما يقرب، ويصد أكثر مما يجلب، إن المحيا الطلق، والوجه المشرق، والثغر الباسم، المستبشر الضاحك، من عوامل النجاح والتميز والثقة بالنفس، وصاحبه ينفذ إلى القلب واللب بشكل سريع مباشر ومغاير، عكس صاحب الوجه العابس يجلب الإحباط والأسى والكآبة، شخصيته مهزوزة ضعيفة وواهنة، ولا يملك الثقة واليقين، ويحاول دائمًا نسج خيوط الإيذاء والكراهية والتعالي، إرضاء لنزعة الشر الكامنة في أعماقه، مثل مرجل يغلي غلاًّ وخبثًا ولؤمًا، لا يعيش الإحسان والرضا والسلام واغتنام الفرص لإبداء المشاعر الفياضة، بقدر ما يعيش محاولة السيطرة والاحتواء وفق نرجسية ضيقة، إن صاحب الوجه العابس أخطر من العلل والأمراض، لأن العلل والأمراض تنتهي بفعل العلاج الناجع، وأما صاحب الوجه العابس فهو (كالحماقة) ليس لها دواء مطلقًا، وكالحنظلة التي كلها مرارة، وكجلمود الصخر الصلد، إن صاحب الوجه العابس والمتجهم، مثل الفاشل الذي يحسب نفسه يحسن صنعًا، إن هناك نوعية من هذا الطراز، يرفضون الفرح، ولا يتقنون صنع السعادة، ولا يفقهون فن الابتسامة، إنهم حالات مؤذية، يوجعون القلب، يصيبون الرأس باصداع، ويملأون النفس بالشجى والشجن والكآبة، ويثقلون الحياة بالمحبطات والمثبطات، نسأل الله أن ينقذنا من أصحاب الوجوه المتجهمة المكفهرة العابسة، إنه مجيبٌ للدعوات، وكاشفٌ للكربات.