وجدان الأصقه
كيف سيبدو العالم عندما يكون وطنًا واحدًا بلغة واحدة لا اختلافات. نسيطر على نفس القوانين والسياسات، ونتبع نهجًا اقتصاديًا واحدًا، ولدينا ثقافة وهوية واحدة. في الواقع، كانت الحروب والمعارك مستمرة منذ قرون لاستعمار بلدان أخرى وتملك أكبر بقعة في العالم. وعندما اشتعلت الحرب العالمية الثانية، التي أنفقت الكثير من الموارد، بدأت العولمة في التحرك كوسيلة لإنعاش العالم.
وما يثير التساؤل هنا، هل نشأت العولمة بالفعل في العالم، أم أنها مفردة جديدة تعطي طابعًا وديًّا للاستعمار، مفردة تمنح القوة للاستعمار تلك القوة التي لم يستطع الحصول عليها في الحرب. ربما يمكن تعريف العولمة على أنها «تعميق وتسريع الترابط العالمي في جميع جوانب الحياة الاجتماعية المعاصرة». حيث يتمثل الجانب الرئيسي للعولمة في الزيادة السريعة للتدفقات عبر الحدود من جميع الأنواع، بدءًا من التمويل، التجارة، وكذلك الأفكار والأيديولوجيات والمعرفة حول الحكم الديمقراطي والاقتصادي والمنتجات الثقافية والإعلامية والناس.
البعد الاقتصادي ساهم في تقارب تفضيلات وخصائص السلع والخدمات للمستهلكين في جميع أنحاء العالم، وبالتالي ساهم في تكامل الاقتصاد وزيادة تدفقه بين البلدان. هذا البعد ذو الحدين، تظهر فائدته للاقتصاد حين عززت العولمة سهولة حركة البضائع والتجارة حول العالم، فتصلك المقتنيات من أقصى الشرق بأفضل جودة وسعر لزمن مماثل لتسوقك المحلي. حين ندير الضوء ناحية الاستثمار الأجنبي المباشر الذي كان يُعتبر سابقًا تهديدًا لاقتصاد البلد ولأعمال مواطنيها، تتضح بداية المملكة الآن في توسيع الفرص لهذا النوع من الاستثمار مع توجهها لرؤية 2030 وذلك عندما استحوذت شركة أمازون على الشركة السعودية سوق. كوم. فعلت ذلك مستبصرة لدعم الاستثمار الأجنبي المباشر للاقتصاد الذي يفوق الأضرار التي يمكن أن يتسبب بها. على ضفة العولمة الأخرى، هذا من شأنه مساعدة الشركات السعودية المحلية أن تكون عالمية وتتبادل الفرص مع الآخرين في الخارج واتخاذ استراتيجية هجومية مع هذا المناخ المتنامي للعولمة بدلاً من استراتيجية الدفاع الإنهزامية للاستيلاء الدولي.
تأتي العولمة كنهضة للمجتمعات حين تتمتع بالتعليم العالي، والانفتاح على التنوع والمعرفة الجديدة، فيكون من الأسهل على الشركات الاستفادة من العولمة. حيث أظهرت العديد من الدراسات أن كفاءة الموظفين في اللغة الإنجليزية بغض النظر عن أدوارهم الوظيفية تزيد من دعمهم لعولمة شركاتهم. هذا يسلط الضوء على دور إدارة الموارد البشرية في وضع خطط للتدريب اللغوي وتطوير معايير التوظيف وفقًا للمهارات اللغوية التي تؤثر بشكل كبير على إدارة التغيير والتزام الموظفين بالعولمة. هذه النهضة ترتبط وتبدأ من اللغة كوسيلة للتواصل ارتباطًا وثيقًا بثقة المجتمع وقدرته على التكيف مع التغيير، ما يعني أن المجتمعات التي تلتزم بالعادات والتقاليد التي ظلت راكدة لعدة قرون ترى اللغة الجديدة تهديدًا لهويتها وبالتالي ترفض العولمة التي تعتبرها استعمارًا ثقافيًا ودينيًا. مع ذلك، لا يمكننا أن نؤكد بشكل كامل أن العولمة هي نوع جديد من الاستعمار. لأنه أثر على بعض جوانب المجتمع وثقافته، فهي بالمقابل، في العديد من الحالات، ولا سيما الصين والهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى، حققت العولمة وعدها في توسيع فرص التوظيف والنمو الشامل حيث دعمت التعليم والازدهار، عندما تحول المزارعون إلى عمال في الصناعات التحويلية في أسواق التصدير، مما حفز النمو وساعدت على تقليل الفقر. ولكن في حالات أخرى -في أمريكا اللاتينية وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى- أتت العولمة كوحش كاسر يفتك باقتصادات هذه الدول.
تحوي العولمة بذور التجارة الحرة التي تحقق منافع متبادلة لجميع المجتمعات العالمية، منافع أثرت في المواقف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم. ونتيجة لذلك، زاد الإنتاج والتجارة والابتكار في العالم، وبالتالي زيادة رفاهية المجتمع. جانب العولمة المظلم يمكن تفاديه من خلال الانتباه إلى عدد من العوامل مثل المرونة السياسية والإدارة الجيدة للأزمات والموارد والناس.
** **
عضو هيئة تدريس – جامعة القصيم