لكل أجل كتاب، هذه سنة الله التي قدرها على جميع مخلوقاته، فقدنا قبل أيام قلائل أخاً عزيزاً، وعلماً مغموراً لا يحب الظهور، عاش حياته في طاعة ربه، والسعي في مرضاته، متسلحاً بسلاح العلم والآداب، مدافعاً عن دينه، لا تفي الكلمات العابرة حقه، إنه الدكتور الفاضل حمد المنصور، رحمه الله، كانت بيننا أخوة وصداقة، ودارت بيني وبينه لقاءات متعددة فكنا نتبادل الزيارات الأخوية التي تجري فيها غالباً الأحاديث الودية، والمناقشات المفيدة، فلا تخرج من مجلسه إلا بفوائد علمية وتاريخية واجتماعية وغيرها. وكان يتحفنا دائماً بفوائده واطلاعاته. كان جمّ التواضع، لطيف المعشر، كريم النفس، ذا أخلاق وسلوك عاليين، قريب من الصغير والكبير، محباً للخير وأهله، مبتعداً عما لا يعنيه، وفياً لأصحابه، هادئ الطبع، أنيس المجلس، يأسرك بحسن استقباله وبشاشة وجهه، متأن في أموره، عرفته - رحمه الله - عن قرب فكان نعم الصديق، فأحببت أن أتحف القراء بنبذة مختصرة عن حياته(1):
هو حمد بن عبدالله بن حمد المنصور الوهيبي الحنظلي التميمي، ولد في بلدة أشيقر في إقليم الوشم بالمنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية سنة 1359هـ، تعلم في كتابها في مدرسة الشمال بأشيقر على يد الشيخ عثمان بن عبدالرحمن أباحسين، وبعد أن افتتحت المدرسة السعودية الابتدائية في أشيقر سنة 1369هـ التحق بها مواصلاً تعليمه فحصل على شهادتها سنة 1374هـ، ثم التحق بالمعهد العلمي في مدينة شقراء، وتخرج فيه سنة 1380هـ، ثم واصل تعليمه الجامعي وتخرج في كلية اللغة العربية (جامعة الإمام لاحقاً) سنة 1385هـ، وحصل على درجة الماجستير في الأدب والنقد من قسم الآداب في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سنة 1392هـ/1972م، وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب من قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية عام 1411هـ/1990م.
أعماله الوظيفية:
- بعد تخرجه في كلية اللغة العربية عين مدرساً في المعهد العلمي بمدينة الزلفي في 26/5/1385هـ حتى 19/6/1387هـ.
- مديراً لشؤون الطلاب في كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض في 20/6/1387هـ حتى 30/5/1393هـ.
- وكيلاً لكلية الشريعة بالرياض من 1/6/1393هـ حتى 15/1/1399هـ.
- عضو هيئة التدريس في كلية اللغة العربية بالرياض (جامعة الإمام) في 16/1/1399هـ حتى 9/6/1410هـ.
- بالإضافة إلى التدريس في كلية اللغة العربية عُين وكيلاً لمعهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيساً لقسم اللغة العربية والعلوم الإسلامية، من 17/8/1406هـ حتى 17/8/1412هـ.
- أستاذاً مشاركاً في معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من 18/8/1412هـ.
- وبالإضافة لعمله السابق عُين مديراً لمركز البحوث في المعهد، من 12/7/1414هـ، ورئيساً لقسم اللغة العربية والعلوم الإسلامية في معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من 8/8/1415هـ.
- وخلال فترة عمله الوظيفية كلف بأعمال أخرى منها المشاركة في إعداد بعض مناهج اللغة العربية، وانتدب إلى عدد من الدول للتدريس وحضور بعض الاجتماعات، وعضوية لجنة التعاقد مع المدرسين الذين تحتاجهم الجامعة، والإشراف على بعض الأعمال، والمشاركة في بعض اللجان، وعضوية بعض المجالس العلمية والإدارية، وعميداً لبعض الكليات، وغيرها.
- ساهم كذلك في تأسيس وافتتاح عدد من المعاهد التابعة لجامعة الإمام في الدول الإسلامية، وعلى رأسها معهد العلوم الإسلامية والعربية في أندونيسيا سنة 1399هـ، الذي كان له دور كبير في إنشائه وتجهيزه.
- أحيل على التقاعد بتاريخ 1/7/1419هـ.
- كان محل ثقة في عمله، إضافة إلى إلمامه الواسع بالكتب والمراجع ودرجاتها من حيث الأهمية لذلك انتدب إلى مصر لتزويد مكتبة جامعة الإمام في بداية إنشائها بالكتب والمراجع والمجلات العلمية، وقد حدثني رحمه الله ببعض المعاناة التي واجهته وزملاؤه من ذلك مثلاً ضآلة المبلغ الذي منحوه لذلك الغرض، ومن ذلك أيضاً أنه كان يفرز بعض الكتب النادرة والمهمة وهذا يستغرق وقتاً طويلاً وثميناً؛ ويتفاوض مع أصحابها على مبلغ معين يتفقون عليه، وفي أثناء فترة إعداد الشيك وأوراق الاستلام والتسليم وما يتبع ذلك من إجراءات، يكون قد أتى مندوبون من دول أخرى فيجدونها جاهزة ومفروزة لهم، فيغرون أصحابها بأضعاف قيمتها، فإذا أتى لم يجدها، ومما ذكره لي قصة شراء مكتبة تعد من أكبر المكتبات الخاصة في مصر آنذاك، كانت تحتوي أعداداً كثيرة من الكتب والمجلات وغيرها، ومن بينها أعداد كثيرة لطبعات قديمة ونوادر قلما يجتمع مثلها في غيرها، فكانت من أكبر المكتبات التي أثرت مكتبة الجامعة.
إنتاجه العلميّ:
لمترجمنا جهود في التأليف والتحقيق والبحوث والمقالات، والبرامج الإذاعية، قال عنه د. حمد الدخيِّل في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية): (بدأ حياته الأدبية بعد تخرجه في كلية اللغة العربية كاتب مقالة في الصحافة، ومشاركًا في الإذاعة بتقديم أحاديث أدبية وثقافية واجتماعية، وأتيح له في أثناء دراسته العُليا أن يعد عددًا من البحوث ذات الصبغة المنهجية والأكاديمية، بعضها منشور، وبعضها الآخر لا يزال مخطوطًا، وهو الأكثر. وواصل إنتاجه العلمي والأدبي، واهتم بدراسة الأمثال في القرآن الكريم، وكتب رواية ذات طابع تربوي اجتماعي، انتزع أحداثها من البيئة التي عاش فيها، وله شعر عمودي مخطوط يمثل ديوانًا. وهو ذو اتجاه ملتزم فيما كتب من مقالات، وما أذاع من أحاديث، وما أعد من بحوث ودراسات وإبداع في الشعر والرواية).
فمن مؤلفات المترجم له:
- (أبو الفوارس سعد بن محمد التميمي، حيص بيص: حياته وشعره)، الرياض، ط1، 1425هـ/2004م، يقع في 301 صفحة، يمثل دراسة عن حياة الشاعر من خلال شعره، ومميزاته، وهو رسالته للدكتوراه.
- (خصائص فنية في معلقة لبيد بن ربيعة)، الرياض، ط1، 1425هـ/2004م، يقع في 191 صفحة، وهو رسالته للماجستير.
- (الأمثال في القرآن الكريم: أنواعها، موضوعاتها، أسلوبها)، الرياض، ط1، 1427هـ/2006م، في 360 صفحة، وأصله برنامج إذاعي أسبوعي كان يقدمه.
- (وثيقة الحرية)، الرياض، ط1، 1432هـ/2011م، في 278 صفحة من القطع الصغير، وهي رواية قصتها مستوحاة من البيئة النجدية.
- (قصص وعظية من المجالس النجدية)، الرياض، ط1، 1435هـ، يقع في 140 صفحة.
- (منظومة جواهر الذخائر في الكبائر والصغائر)، لبدر الدين الغَزي، تحقيق وشرح، الرياض، ط1، 1436هـ، يقع في 462 صفحة.
- (مواقف وعبر من سير صحابة سيد البشر)، الرياض، ط1، 1438هـ/2017م، يقع في 191 صفحة.
- (أثر الإسلام في توجيه النقد الأدبي)، مخطوط.
- (مدرسة أبلو الأدبية)، مخطوط.
- (خصائص فنية في شعر عبدالله بن خميس)، مخطوط.
- (ديوان شعر)، مخطوط، وله قصائد نشرها في حياته في بعض الصحف وغيرها.
- (مذكراته الخاصة)، شرع فيها ولا أعلم هل أكملها وبيضها أم بقيت مسوّدة؟
أما البرامج الإذاعية التي كان يقدمها فخمسة برامج، هي:
* أمثال من الكتاب والسنة، استمعت مؤخراً لحلقة منه مسجلة بتاريخ 20/4/1394هـ.
* وجهة نظر.
* ورقة من التقويم.
* حديث المساء.
* حديث الصباح.
عقبه:
رزق بعدد من الأولاد منهم: الأستاذ أمين الذي يكنى به، والدكتور عبدالله، وإخوانهم، وله عدد من البنات، أسأل الله لهم التوفيق والسداد، وأن يصلحهم ويوفقهم لكل خير.
وفاته:
كان متمتعاً بصحته فأصابه مرض مفاجئ قبل وفاته بأربعة أشهر، حيث أخذ يشكو منه إلى أن تطور إلى أورام داخلية، سعى في علاجها ولكن المرض زاد معه فأدخل على أثره للمستشفى التخصصي بالرياض، واستمر فيه إلى أن أدركه الأجل المحتوم، فتوفاه الله وفاضت روحه إلى بارئها مساء يوم الأحد الموافق 16/8/1440هـ، وله من العمر 81 عاماً، وقد صلي عليه من الغد ظهر يوم الاثنين 17/8 في جامع الجوهرة البابطين بمدينة الرياض، ودفن في مقبرة الشمال بالرياض، وحضر الصلاة عليه وتشييعه جمع غفير من أهالي بلدته ومعارفه ومحبيه.
رحل وبقي ذكره الحسن وسمعته الطيبة عند الناس، رحمه الله تعالى برحمته الواسعة، ورفع درجته في عليين، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، هو وجميع موتانا وموتى المسلمين، وجزاه عنا وعن المسلمين خير ما جزى به عباده الصالحين.
(1) كَتَب - رحمه الله - نبذة مختصرة عن حياته على الغلاف الخلفي لثلاثة من كتبه المنشورة هي روايته (وثيقة الحرية)، و(مواقف وعبر)، و(قصص وعظية). وله ترجمة مع نماذج من شعره في (تاريخ أشيقر ماضٍ مجيد وحاضر مشرق)، للشيخ عبدالرحمن بن منصور أباحسين، ط1، 1423هـ، ص258، وله ترجمة موسعة في (دائرة المعارف الأشيقرية)، لسعود بن عبدالرحمن اليوسف، ط1، 1427هـ، ج1، ص415، وله ترجمة في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية)، دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، 1435هـ، ج3، ص1620، حررها الدكتور حمد بن ناصر الدخيّل، وأقدم شكري لابن مترجمنا الدكتور الفاضل عبدالله المنصور، الذي زودني ببعض المعلومات.
** **
كتبه/ عبدالله بن بسَّام البسيمي - الوشم - أشيقر