د.ثريا العريض
كل عام وأنتم قرائي وسائر المسلمين في القارات الخمس بخير وصحة وسلام. الشهر الفضيل يدق الباب، وتُشرع له شرفات القلوب، وكل طاقات الوجدان، وأحاسيس التوق المشتاقة لأجوائه الروحانية ولذائذه. فالحمد لله أن بلَّغنا أيامه، وندعوه أن يعيننا على صلاته وعباداته وقيامه والتقارب حول ما يرضي الله، ويزيد بهجة الحياة.
غدًا نتوقع أن يكون غرة رمضان على الأقل في منطقة الخليج.
فمنذ فتحت عيني ووعيت رمضان والمسلمون في أنحاء العالم لا يتفقون متى يبدأ الشهر الكريم ومتى ينتهي.. وهو أمر مفهوم علميًّا؛ إذ لا يطلع القمر في كل أنحاء الكرة الأرضية في الوقت ذاته, ولكن التفاوت الزمني قد تكون له جذور في العلاقات السياسية التي تتأرجح قُربًا وبُعدًا بين السلطات الرسمية؛ فتجعل خيار يوم البدء رسميًّا في الصيام وإعلان العيد لاحقًا يختلف بين دولتين قريبتين. وكذلك ما كان سائدًا من الاعتماد على رؤية الهلال بالعين في أوضاع تؤكد فيها الحسابات الفلكية أحيانًا استحالة رؤية الهلال؛ ولذلك فاعتماد حسابات الفلكيين يمنع شبهة الخطأ.
أذكر في إحدى سنوات طفولتي أنه جاء الإعلان الرسمي بحلول يوم العيد الساعة الثانية عشرة ظهرًا، وأفطر البعض وهم يتبرمون، وظل البعض صائمين وهم أيضًا يتبرمون.
وعدا الاختلاف في التوقيت هناك أيضًا طقوس اجتماعية وممارسات خاصة بموسم الصيام في كل بلد, مرتبطة بحالة طقسها، وتقاليد مجتمعها، وحتى موارد أرضها التي تحدد ما تحتويه سُفرة رمضان.
المشترك هو التركيز على تنوُّع مكونات السفرة، واحتوائها يوميًّا على أطباق متعددة، خاصة أنواع الشوربة الدافئة والمشروبات والحلويات بعد ساعات الجوع والعطش. ومع هذا التركيز تأتي تقاليد تجعل مشاركة الجيران في ما أُعد للإفطار من لذائذ ممارسة مستحبة؛ إذ يمكن أن يكون الجار محدود القدرة المادية، بل إن معظم المجتمعات المسلمة تمارس مد سُفَر الإفطار العامة في الشوارع؛ لكي يتناولها الغرباء والعابرون وغير القادرين.
ولكن الإفراط في التركيز على جانب الأكل بعد الصيام، والمبالغة في تناول الأطباق الثرية بالدهون كالمقليات، أو الغنية بالسكريات، يحمل خطر المعاناة الصحية والأمراض المتعلقة بزيادة الوزن كالكولسترول؛ ولا بد من ممارسة الاعتدال في خيارات ما يقدَّم من مأكولات، والبُعد عما يجسد فعليًّا المثل العربي المتوارث عن خطر «السم في الدسم».
وضمن هذا الوعي يجب اختيار ما يقدَّم للأطفال في احتفالنا بـ»القرقاعون» أو «القرقيعان» في منتصف رمضان؛ ليكون خيارات صحية من المكسرات والفواكه المجففة كما كان السلف يفعلون قبل انتشار البسكويت والشوكولاته المستوردة الضارة بالصحة.
والدِّين يُسر وليس عسرًا.. ومن لا يستطيع الصيام لأسباب صحية فله العذر أن يعوض ذلك بأعمال الخير والبر كما فصلت التعاليم والفتاوى.
وهي حقبة الاعتدال والتوازن، كما هي توجُّه عام للتسامح.. ومع هذا فعلى من لا يصوم في مجتمع إسلامي أن يتذكر «وإذا بُليتم فاستتروا».