فهد بن جليد
البخل الإنتاجي للبرامج الدينية أفقدها قيمتها ومكانتها التي تستحقها خصوصاً في الشهر الفضيل، فكيف يمكن وضع هذه البرامج المهمة في مكانها الصحيح على الخريطة الإنتاجية؟ هناك لبس في فهم دور هذه البرامج وأثرها، فالاعتماد على الشيخ (التاجر) الذي يُنتج برنامجه بنفسه بأقل تكلفه مُعتمداً على (كنب ومكتبه)، أو الشيخ ( المُحتسب) الذي يمكن يقدم ما في صدره على (طاولة وكرسي)، صورتان لن تخرجا لنا البرامج الدينية التي نحتاجها لتؤثر إيجاباً في حياتنا، فهذه البرامج -كما أراها - أكثر أهمية وتأثيراً في حياتنا من البرامج المنوعة التي تحظى فيها الفرق الإنتاجية والإعدادية باهتمام إنتاجي احترافي أكثر تنظيماً بهوية واضحة.
تكلفة البرامج الدينية مُجتمعة على الفضائيات العربية في شهر رمضان المُبارك لا توازي (نصف ميزانية) تكلفة أقل مُسلسل رمضاني يعرض اليوم على الشاشة، هذا أمر مُحزن وتهميش ساعد فيه تسابق بعض المُقدمين والوعاظ على الشاشات دون إدراك لتأثير ظهورهم الباهت والضعيف، في ظني أنَّ طريقة الوعظ التقليدية السابقة لم يعد لها حضور مؤثر، وأنَّ تطوير هذه البرامج بات مطلباً بإدخال التقنيات لتُساعد في تقديم المحتوى بشكل شيِّق وجاذب ومتوافق مع (لغة العصر) والشباب الأكثر حاجة لمحتوى هذه البرامج، والسبب ببساطة أنَّنا افتقدنا تأثير المحدِّثين الأكثر بساطة وقرباً من المُتلقي، فنحنُ نَحِنُّ لمُشَاهدة حلقات قديمة لبرامج (الطنطاوي والشعراوي والمسند)، لذا لن يعود مثل هؤلاء وعلينا التفكير في طُرق جديدة لإنتاج البرامج الدينية بثوبنا العصري، دون التكلف الذي شهدته تجارب سابقة مليئة بالهياط والغرابة لتصوير المشايخ في الخضرة وعلى ضفاف الأنهار، وعلى ظهور الخيول في (تركيا وغيرها)، وهي تجارب حولها أكثر من علامة استفهام لا نريد تكرارها بالتأكيد.
البرامج الدينية على الشاشة اليوم تنقسم -برأيي- إلى قسمين، أحدها افتقد بساطة البرامج السابقة ولغة المشايخ السهلة وتبسطهم الجميل الذي يدخل القلب، ليظهر علينا المُتحدِث وكأنَّه يجلس فوق (برج عاجي) مختبئاً خلف صورة نمطية محدَّدة لا تنازل عنها، مُردِّداً عبارات جُلَّها (سجع وتقعِّير)، بوجه (جامد) دون ملامح، يحتاج معها المُشَاهد للعودة (للمعاجم) لفكِّ طلاسم ما سَمِع، وفهم ما يقول الرجل، بالمقابل برامج أخرى فقدت قيمتها ومحتواها العلمي الرَصِّين على حساب صورة (الشيخ المودرن) بتدخل غير المتخصصين وتداخل دور البرامج الدينية مع البرامج الاجتماعية وتطوير الذات، والأهم أنَّ الشيخ والمُحلِّل والمُدرب مازالوا على الشاشة جميعاً، وكأنَّ حصة البرامج الدينية عند مثل هذه القنوات مجرَّد تحِلَّت قسم.
وعلى دروب الخير نلتقي.