عرض وتحليل - حمد حميد الرشيدي:
«الأحرف التي هي أنا» هو أحدث ديوان صادر عام 2015م عن «دار النابغة» للنشر والتوزيع بالقاهرة للشاعرة السعودية القديرة الأستاذة بديعة كشغري.
ولست هنا بصدد استعراض التجربة الشعرية الطويلة لكشغري, والممتدة نحو خمسة عقود، أو ما يزيد عنها بقليل، وذلك منذ انطلاقتها الأولى مع الكلمة الشعرية, كشاعرة تعد واحدة من أبرز الأسماء الشعرية النسائية التي سجلت حضورها في المشهد الشعري السعودي، وصدرت لها عدة دواوين شعرية، فضلاً عمّا تمت ترجمته من أعمالها إلى لغات أخرى، بالإضافة إلى مشاركاتها المتميزة في كثير من الفعاليات والأنشطة الثقافية والأدبية على المستويين المحلي والإقليمي ومساهمات أخرى (غير شعرية) في حقول إبداعية متنوعة, وتكريمها من قبل جهات عدة، مختصة بالشأن الثقافي والحراك الأدبي, والتي كان من آخرها هذا العام تكريمها من قبل (وزارة الثقافة) بالمملكة العربية السعودية في حفل كبير, أقيم بمدينة (الرياض) بمناسبة (اليوم العالمي للشعر) في شهر (مارس) الماضي إلى جانب ثلاثة شعراء، يعدون من رموز الشعر السعودي الحديث, هم: محمد جبر الحربي, ومحمد الدميني, وعبد الله الصيخان.
لكنني سأقصر حديثي عنها هنا على آخر إصداراتها الشعرية، ألا وهو ديوانها الموجود بين أيدينا الآن, متجاوزاً الحديث عن بداياتها الشعرية الأولى المعروفة للجميع, ورحلتها الشعرية الطويلة مع الشعر والتي عاصرت من خلالها أكثر من جيل من الشعراء السعوديين, ابتداءً من جيل الرواد, ومروراً بمرحلة (شعراء الحداثة) منهم, ثم جيل (ما بعد الحداثة) حتى العصر الراهن.
ومن المؤكد أن بديعة كشغري قد استفادت من هذا المزيج الشعري المركب الذي عاصرت بعض رموزه، وما يحملونه من رؤى ثقافية واتجاهات فنية، وتيارات فكرية مختلفة، أثرت خلال نصف القرن الماضي من الزمن في تطور القصيدة العربية، ولغتها وبنيتها وشكلها ومضمونها!
وفي ديوانها هذا آثرت الشاعرة أن تسرد (سيرتها الذاتية والشعرية) بأسلوب ولغة يعتمدان على (الحرف العربي) وإيحاءاته ووظائفه, وعلى (الحقل الدلالي) للكلمات المكونة من حروف متماثلة أو متطابقة، تشير - في مجملها - إلى معنى عام موحّد, تشترك فيه هذه الكلمات، وإن اختلفت معانيها (الترادفية) الخاصة بكل كلمة دون أخرى.
ولذلك آثرت - أنا - أن يكون عنوان هذه القراءة (السيرة الحروفية) لتكون مطابقة لمضمون هذا الديوان الذي اعتمدت فيه الشاعرة على دلالات الحروف في الكلمات ومعانيها وتكرارها بين كلمة وأخرى, وما تعنيه بالنسبة إليها, وبما يتوافق مع سيرتها الشعرية، ونظرتها للحياة من حولها.
ويتضح لنا ذلك أثناء استعراضنا لجميع النصوص التي ضمها الديوان بين دفتيه، والبالغ عددها حوالي 18 نصاً، تناولت خلالها الشاعرة جميع الحروف المكونة لاسمها, ابتداءً من الحرف (ب) وحتى آخر حرف منه, ألا وهو حرف (الياء)!
ففي النص الأول من هذه النصوص - مثلا - والمعنون بـ (من بيادر سرها بوح) ينصب جل اهتمام الشاعرة على صياغة (نسقية) لحرف (الباء) في سياق شعري معين, تعبر الشاعرة من خلاله عمَّا يعنيه هذا الحرف بالنسبة اليها في بعض الكلمات المتضمنة لهذا الحرف, سواء جاء في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها, إذ تقول:
بي بوحُ قلبٍ
فوق ما تتحمل الأعصابُ
عيناك
بدء تبعثري أنثى
وبرقً خالبٌ
هو بامتداد براءتي
يغزو الفؤاد
بشارة..
البهجة الكبرى
تطل من البراري
بين برد البلسم الباقي لديك
وبرد مبضعك البهي...!
بطاقة السفر المؤجل
أتعبت روحي
يبرزخها انتظارٌ
فابتهالٌ
دونه دمع الرباب.
الديوان : ص12+ص13
ونلاحظ في هذا النص احتشاد معظم كلماته وإشباعها بحرف (الباء) عن آخرها!
وهكذا الحال لبقية النصوص التي تناول كل منها حرفاً من الحروف الأساسية المكونة لاسم الشاعرة.