د.عبد العزيز الصقعبي
قبل سنوات، وعندما يقام معرض الرياض الدولي للكتاب، كنا نلاحظ الازدحام الشديد لزوار المعرض، وجزء كبير منهم - وهذا واقع - لا يأتي لشراء الكتب، بل للفرجة والتنزه؛ لذا تأتي الأسرة كاملة، ويتجولون في ممرات المعرض. بالطبع، قد يغري بعضهم عنوان معين؛ فيقتنونه، أو يتداول الناس شائعة حول كتاب معين؛ فيسعون للحصول عليه.
في السنوات الأخيرة، وبخاصة هذا العام، تناقص عدد الزوار بسبب الانفتاح ووجود مرافق ترفيهية متنوعة في الرياض؛ فأصبح لا يأتي للمعرض إلا من يرغب في الحصول على كتاب معين، أو مهتم بالثقافة.
في جميع السنوات الماضية كانت الفعاليات الثقافية من ندوات ومحاضرات وورش عمل تقام في قاعات خارج أجنحة الكتب، وكان يتوجب على الذي يرغب في حضور تلك الفعاليات مغادرة المعرض، والتوجه لتلك القاعات، وبخاصة في السنة الأخيرة؛ إذ كانت هناك مشكلة لمن اقتنى مجموعة من الكتب؛ إذ توجد صعوبة في إخراجها والذهاب إلى قاعة المحاضرات كمثال، ثم العودة مرة أخرى لأجنحة دور النشر؛ لذا أصبحت - للأسف - أغلب الندوات بلا جمهور.
أقول ذلك وأنا أقوم بجولة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب؛ إذ يتميز المعرض بفعالياته الثقافية التي تقام داخل المعرض بين أجنحة دور العرض؛ وهو ما يتسنى معه لكل زائر للمعرض أن يحضر أغلب الفعاليات التي تكون في أكثر من جناح مهيأ بصورة جيدة لتقديمها. بالطبع هذا النسق من وجود الفعاليات بين أجنحة دور النشر موجود في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وربما في معارض دولية أخرى. وحقيقة، وجود الأنشطة الثقافية المختلفة من ندوات متخصصة، ومناقشات لبعض الإصدارات، ولقاءات مع بعض الفائزين بالجوائز، وعروض فنية موسيقية، يضيف كثيرًا من الحيوية للمعرض، ويغطي على مشكلة الإقبال على شراء الكتب.
من وجهة نظري، إن معرض الكتاب مهرجان مهم وكبير؛ لذا يجب أن يُستغل بتقديم فعل ثقافي متميز، وأن يكون هذا الفعل متنوعاً، ومختلفاً، لا يخضع لرأي مجموعة محددة هي التي تحدد مساره؛ لذا أفضل طريقة لتنفيذ ذلك هي إشعار المؤسسات الثقافية بتقديم فعاليات مختلفة في أجنحتها؛ فتسهم مثلاً مكتبة الملك فهد الوطنية بإقامة أكثر من ندوة ولقاء ومحاضرة يومياً طيلة أيام المعرض، وتكون مسؤولة بصورة كاملة عنها، وكذلك الأمر لدارة الملك عبد العزيز، ومكتبة الملك عبد العزيز العامة، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومؤسسة الملك فيصل الخيرية، والأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون.. والقائمة طويلة، مع مراعاة أن تكون الفعاليات ملائمة لأن تقام داخل المعرض.
أعتقد أن كثيرًا من زوار المعرض سيتجه لتلك الفعاليات، وربما يفكر بعضهم في أن يرتاح قليلاً من عناء المشي في ممرات المعرض؛ ويتوقف ليلتقط أنفاسه ويرتاح، ويجد هنالك فرصه للجلوس والاستماع لمحاضرة أو ندوة، أو قراءات شعرية لبعض الشعراء.
أمر آخر تحدثت عنه كثيراً، وأجد أنه يمثل إضافة للنشاط الثقافي، هو فعاليات توقيع الكتب. ما يحدث في معرض الرياض وجدة هو تخصيص منصات لتوقيع الكتب؛ فتكون هنالك قائمة طويلة للموقعين، وكلٌّ وحظه في توقيت التوقيع، فبعض الكتب تكون في أوقات ميتة؛ فلا يستفيد المؤلف من التواصل مع القراء، أو المهتمين بموضوع كتابه؛ فلا يصل إليهم. وأذكر أن أحد الروائيين اعتذر عن عدم التوقيع في المنصة، وبقي في جناح دار النشر لفترة بسيطة؛ وذلك للتوقيت السيئ الذي خُصص له، ولبُعد مكان التوقيع عن جناح دار النشر؛
لذا - وهذه وجهة نظر خاصة أيضاً - حبذا أن يكون هنالك أماكن لتوقيع الكتب في بعض الأجنحة الكبيرة، أو بين الأجنحة الصغيرة، وتكون دور النشر هي التي تنسق مع المؤلفين لتحديد الوقت؛ ليكون في جناحها، يلتقي المؤلف قُرّاءه، ويوقع على كتابه.. وأعتقد أن ذلك أفضل، ويساعد على تسويق الكتاب أولاً، وخلق نشاط للمعرض بوجود عدد من احتفاليات توقيع الكتب في وقت واحد، وفي أماكن مختلفة.
أنا مستمتع بزيارتي لمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، وبتلك الفعاليات الثقافية المختلفة، وأتمنى أن يكون هنالك توجُّه للخروج من الرؤية الأحادية للجان الثقافة، والجدل الذي يتصاعد كل عام عند إعلان تلك الفعاليات، وتكون الثقافة حاضرة بتنوعها، بما في ذلك الطبخ والأزياء في معارض الكتب التي ستقام لاحقاً في المملكة.